لا يمكن وصف تعاطي معظم الإعلام الأميركي والبريطاني مع الألعاب الأولمبية الشتوية في روسيا سوى بالـ «هستيري والحاقد». هستيريا أكّدت مجدداً أنّ الغرب لم يشف بعد من عقدة الاتحاد السوفياتي. علّة التنميط انتقلت هذه المرة الى أكثر الأشخاص المطالبين بعدم ممارستها، أي الصحافيين. تنميط مرضي أضيف اليه حقد قديم جديد على كل ما تنتجه روسيا: أشخاصاً ومواداً واقتصاداً وقرارات داخلية ودولية واتفاقات وتحالفات.
يمكن لأي متابع للإعلام الأميركي والبريطاني أن يلاحظ أن الحملة المضادة لألعاب «سوتشي» 2014 بدأت قبل أشهر من إنطلاقها. التحقيقات الصحافية والتلفزيونية كررت منذ بدء الورشة الضخمة الخاصة بالحدث، بثّ تقارير من موسكو وسوتشي عن بذخ الأموال في التحضيرات والفساد الذي استشرى خلال تلك الفترة إضافة الى التهويل من عدم إنهاء بناء القاعات اللازمة في الوقت المحدد. ثم جاء القانون الروسي الداخلي الذي عُرف بقانون «حظر البروباغندا المثلية» لتصوَّب السهام نحو رفض القانون وربط الحدث الرياضي العالمي به وبقضية المثليين وصولاً الى دعوة الجمعيات والإعلام والمشاهير لمقاطعته. وأخيراً، حلّت التفجيرات الإرهابية في فولغوغراد عنواناً جديداً إلى التهويل ضد الحدث الروسي ـ الدولي. هكذا، أُعلنت الحرب الإعلامية على «أولمبياد سوتشي» باكراً ثم تعاظمت حدّتها كلما اقترب موعد الإنطلاق. ومع وصول المراسلين الصحافيين من مختلف الدول لتغطية الحدث، قرر رافعو رايات المعركة استكمالها مباشرة من أراضي «العدو». انتقد المراسلون الأميركيون والبريطانيون بشدّة ما أسموه «سوء إدارة وتنظيم الحدث» ثم نقلوا ملاحظاتهم عن أوضاع الفنادق الرديئة المعدّة لاستقبالهم (أعطال في المراحيض وفي المياه ومسكات الأبواب) ونشروا صوراً سخرت من «الاستعداد الروسي» و«تطور روسيا فلاديمير بوتين» على الطريقة الأميركية السطحية. حتى أن البعض روّج لشائعة تقول إنّ وصل أي كومبيوتر بالانترنت في روسيا سيعرّضكم لهجوم فيروس أو للتجسس! (ماذا عن فنون التجسس الاميركي والبريطاني المذكورة في وثائق إدوارد سنودن؟).
حجّمت المؤسسات الإعلامية الأميركية والبريطانية الحدث الرياضي العالمي وأخرجته من إطاره الرياضي لتزجّ الحسابات السياسية والاقتصادية فيه.
إنطلق الافتتاح من مدينة سوتشي بحضور سياسي ورياضي وإعلامي ضخم ولم تسجّل أخطاء فنّية أو تنظيمية أو أمنية بارزة، بل استمتع العالم باستعراض الباليه وبالأضواء والمؤثرات الخاصة. شاهد الإعلام الأميركي والبريطاني الافتتاح الكامل المواصفات، لكنه اختار صورة العطل الفني الوحيد (غير الكارثي) الذي طرأ على إضاءة أحد تصاميم لوغو الأولمبياد ليلخّص به الافتتاح. ماذا عن الرياضيين أنفسهم محور الحدث؟ لا يريد هذا الإعلام أن يقول إنّ «الأمور ممتازة» بالنسبة إلى المشاركين والحلبات وتجهيزاتها على أكمل وجه (أليس هذا هو الأهمّ؟). لم يشتك الرياضيون من شيء حتى الآن. أقلّه، لم تقدّم لهم أطعمة من «ماكدونالد» كما حصل في دورة ألعاب لندن الأولمبية قبل سنتين!