سيكون التعاقد في التعليم الرسمي من أبرز القضايا الشائكة التي ستواجه وزير التربية والتعليم العالي الياس أبو صعب. الوزير الجديد سيقف كمن سبقوه أمام تحدي اتخاذ قرارات حاسمة ومدروسة تمنع التدهور في التعليم ولا تحمّل في الوقت نفسه المعلمين المتعاقدين وزر أخطاء لم يرتكبوها هم، بل هي نتيجة تراكمية لسياسة التعاقد الوظيفي، وهي سياسة رسمية للدولة منذ مؤتمر باريس 3 في عام 2007.
فهل سيضع الوزير الجديد تصوّر حل لهذه القضية خلال 86 يوماً من عمر وزارته، أم أنّ مصالح الطبقة السياسية ستتحكم بمفاصل عمله كما كان يحصل مع وزراء التربية المتعاقبين؟
يبدو أبو صعب مقتنعاً أو هذا ما قاله في حفل التسليم والتسلم أمس بأنّ قضايا تربوية كثيرة لم تتحقق في الولاية السابقة، لا لغياب النية في العمل بل بسبب الخلاف السياسي في البلد. هو على الأقل لديه أمل بتحرير التربية من السياسة في «حكومة الوفاق لا الاختلاف»، وإذا ما واجهته عراقيل فسيعلنها على الملأ، كما وعد، وسيسمي الجهة المعرقلة.
في الواقع، سيسمع أبو صعب في الأيام الأولى له في الأونيسكو شكاوى من متعاقدين تم الاستغناء عن خدماتهم، وآخرين خفضت ساعات تعاقدهم في منتصف العام الدراسي الحالي؛ ومن بينهم من كان في حوزته 28 ساعة وبات لديه 7 ساعات. سيتلقى أيضاً اتصالات من سياسيين لتسوية هذه الساعات وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، قبل أن تقرر المناطق التربوية التشدد في تطبيق تعميم لوزير التربية السابق حسان دياب الرقم 28/م/2013 صدر في الأول من تشرين الأول 2013 أي في بداية العام الدراسي الحالي. في التعميم تأكيد على إكمال النصاب القانوني لكل مدرسي الملاك والمحدد بـ 27 حصة في مرحلة الروضة والحلقتين الأولى والثانية وبـ 24 حصة في الحلقة الثالثة وعدم إدخال أي متعاقد جديد وتكليفه بالتدريس واحتساب الحصص له قبل الحصول على موافقة المرجع الإداري الصالح وبعد دراسة شاملة للمنطقة التربوية المعنية تتضمن بياناً بأسماء مدرسي الملاك ونصابهم، على أن توزع أنصبة التدريس بشكل عادل ومتوازن بين جميع أفراد الهيئة التعليمية.
في الشكل، يخدم مثل هذا التعميم التعليم، لكن من شأن التطبيق غير المدروس له، وهو بالمناسبة ليس حاسماً لكونه يتفاوت بين منطقة تربوية وأخرى، أن يخلق مشاكل اجتماعية في صفوف معلمين مضى على تعاقدهم سنوات كثيرة في التعليم، وكانوا قد رتّبوا حياتهم على هذا الأساس. المديرون يتحدثون عن إرباك تربوي أحدثه تطبيق هذا التعميم في منتصف العام الدراسي نظراً لاضطرار المدارس إلى تغيير البرامج (الجداول الزمنية أو توزيع الحصص)، وخصوصاً أنّ هناك نحو 700 معلم عينوا في ملاك وزارة التربية في عام 2010، وكانت إدارات المدارس قد خفضت سلفاً من ساعات نصابهم وأعطتها لمتعاقدين، تمهيداً لإلحاقهم بدورة تدريبية في كلية التربية في الجامعة اللبنانية، لكن الإلحاق لم يحصل حتى الآن. السبب المعلن هو عدم توفر الأموال لهذه الدورة.
يسأل المديرون لماذا لم يكن هناك تشدد في تطبيق التعميم منذ بداية العام الدراسي، وخصوصاً أنّ هناك وقتاً مخصصاً للأعمال التحضيرية للسنة الدراسية، وأن التعاقد لا تقوم به إدارات المدارس، بل إنّ الوزير يوافق عليه بناءً على اقتراح المناطق التربوية، التي يقع عليها واجب دراسة ما إذا كانت المدارس تطبق النصاب القانوني أو لا. يقول المديرون إنّه ليس لديهم صلاحيات كافية كي يتشددوا حيال تطبيق نصاب معلم مدعوم من أحد ما في الطبقة السياسية الحاكمة.
ما يفاجئ الإدارات هذا العام بشكل خاص هو مناقلات المعلمين من مدارس إلى أخرى والتي تحصل بفعل وساطات سياسية في منتصف العام الدراسي أيضاً ومن دون طلبات نقل، فيما المناقلات تجرى عادة في شهر أيلول.
في المقابل، يتمسك التربويون بقاعدة ذهبية «لا نريد صاحب حاجة في التعليم، بل نريد صاحب كفاءة». يشرح هؤلاء كيف أن الحاجة إلى العمل تدفع الكثيرين إلى التعاقد في التعليم الذي بات مهنة متاحة لكل الناس، من دون أي إعداد مسبق. التعاقد السياسي، كما يقولون، يوهم المتعاقد بأنّه أصبح موظفاً، فيسعى الأخير إلى التشبث ولو بساعات قليلة من أجل الخضوع لمباراة محصورة عبر مجلس الخدمة المدنية تتيح له التثبيت في الملاك.
وبين ما يطالب به المتعاقدون من مباراة محصورة بهم، وبين ما تشدد عليه روابط التعليم الرسمي من تنظيم مباراة مفتوحة سنوية ينظمها مجلس الخدمة المدنية ويشارك فيها جميع حملة الإجازات ضمن الاختصاص، أخذت الدولة خيار اللامباراة، ما جعل عدد المتعاقدين في التعليم الأساسي يرتفع إلى نحو 13 ألفاً. المفارقة أن التعاقد لم يتوقف يوماً واحداً ويتم في أي وقت في السنة، وليس بالضرورة مع بداية السنة الدراسية، حتى إن لجنة متابعة قضية المتعاقدين في التعليم الأساسي قدرّت أن يكون قد دخل إلى التعليم خلال سنة وثمانية أشهر هي عمر ولاية الوزير دياب بين 2500 و3000 متعاقد في كل المناطق.
لدى الروابط حلول للمتعاقدين القدامى، ومنها تمييزهم في المباراة المفتوحة بعلامات إضافية على سنوات خدمتهم أو إعفاؤهم من الامتحان في مجال الاختصاص وإخضاعهم لمسابقات تمتحن خلفياتهم الثقافية وكفاءتهم في التعليم. الأهم ما تنادي به لجهة تمهين التعليم أي عدم قبول معلم ما لم يكن قد حصل على إذن بمزاولة المهنة عبر برنامج مشترك تفرضه الدولة بالتعاون مع كليات التربية في الجامعات.
ليس لدى الروابط أمل كبير بحل مشكلة التعاقد، ما يعني استمرار إضعاف المدرسة الرسمية واستغلال المتعاقدين اجتماعياً على خلفية «التعاقد ليس حقاً مكتسباً» وذلك بحرمانهم من بدلات النقل والضمانات الصحية والاجتماعية.
وفي انتظار العملية الجراحية لهذا الملف، يبدو أن رفع أجرة ساعة التعاقد هو أقصى المرجو من الوزارة العتيدة.