تلقينا في «الأخبار»، خلال اليومين الماضيين، سيلاً من النقد والاعتراض، مرفقاً بكمية لا بأس بها من الشتائم. من فعلوا ذلك، كانوا يحتجون بقوة على قرار تأجيل نشر الوثائق الفرنسية التي تتهم الرئيس ميشال سليمان، عندما كان قائداً للجيش، بامتلاك جوازات سفر فرنسية غير شرعية. طبعاً من حق هؤلاء، جميعاً، قول ما قالوه، ومن حقهم، أيضاً، فهم خلفية القرار الذي اتخذناه، ومن حقهم أكثر وأكثر، أن يبرزوا شكوكهم في أي تعهد نقدمه حيال أي ملفات لاحقة.
لنا عودة إلى هذا الأمر. لكن، من المفيد تقديم الموقف بما صدر أمس عن إحالة النيابة العامة مقالات «الأخبار» حول الرئيس سليمان والوزير أشرف ريفي على محكمة المطبوعات، ومسارعة رئيس المحكمة القاضي روكس رزق إلى تحديد موعد لجلسة أولى بعد أقل من شهر.
ليس مهماً شرح الظروف التي أوصلت النيابة العامة إلى هذا القرار، وما إذا كان الوزير ريفي قد انزعج فعلاً من عدم إحالة الملف على القضاء الجزائي، وليس على محكمة المطبوعات. وليس مهماً، الآن، شرح خلفيات الكثير من الاتصالات التي جرت بين مراجع في الدولة وبين جهات قضائية معنية حول هذا الأمر. لكن من الضروري، في ضوء كل ما تقدم، قول الآتي:
أولاً: إن «الأخبار» متمسكة، بقوة، بموقفها، عدم المثول أمام هيئة محكمة المطبوعات الحالية، وهي تؤكد مذكرة الوكيل القانوني المحامي نزار صاغية بضرورة تنحي هيئة المحكمة الحالية.
ثانياً: إن «الأخبار»، وخلال المدة الفاصلة عن موعد هذه الجلسة، ستنشر مجموعة من الوثائق، الرسمية، التي تثبت الاتهامات التي وردت في المقالات المحالة أمام القضاء ضد سليمان وريفي، وآخرين من الذين ستكشف تورطهم في مسائل مخالفة للقانون.
ثالثاً: إن «الأخبار» تنتظر من السلطات القضائية مباشرة التحقيقات في كل ما ينشر من وثائق رسمية، وفي حال تمنُّع الجهات القضائية عن القيام بدورها في هذا المجال، أو التذرع بأي نوع من الحصانات، فإن ذلك يُعَدّ، بالنسبة إلينا، إخلالاً بالوظيفة العامة، وهو سيجعلنا في حلّ من التزامنا المثول أمام أي جهة قضائية. وسنرفض تلبية أي دعوة للمثول أمام أي هيئة قضائية، مع الاستعداد المسبق لتحمل نتائج هذا القرار مهما كانت كلفتها.
رابعاً: إن إفساح «الأخبار» المجال لمراجع قضائية باتخاذ خطوات عملانية تؤدي إلى تصحيح الخلل، وإعلان امتناع القضاء عن الخضوع لإملاءات السلطة السياسية، انتهى إلى عدم حصول أي شيء من هذا التعهد، وإن كان تعهداً غير رسمي، وغير موثق.
خامساً: إن «الأخبار» مستمرة في مساعيها لتنظيم تحرك إعلامي ــــ حقوقي عام هدفه تنظيم العلاقة مع القضاء وليس مع السلطات الأخرى. و«الأخبار» تدعم، بقوة، المبادرة القائمة من جانب «المفكرة القانونية» و«مهارات» للوصول إلى صيغة تتيح تنظيم العلاقة بين الإعلام والقضاء، بما يحفظ حقوق الناس والحريات العامة على حد سواء. وستدعم كل نشاط حقوقي ــــ إعلامي يقود إلى هذه النتيجة.
سادساً: إن «الأخبار» لم ولن تعقد صفقة، لا مع الادعاء العام، ولا مع السلطات السياسية والأمنية والقضائية على اختلاف مواقعها ونفوذها، ولن تتوقف عن نشر كل ما ترى أنه يجب أن يكون في حوزة الرأي العام. وإن قرار تأجيل نشر وثائق الرئيس سليمان، لم يكن، في أي وقت، ترجمة لأي صفقة، ولن يكون. وإن إعادة النشر، لا تعني أننا لم نحصل على طلبات معينة. بل جلّ ما في الأمر، محاولة نصرّ على اعتبارها صادقة، طلبها أحد المراجع القضائية، من أجل مصلحة تعلو فوق حسابات الجميع. ومع أننا لم نكن نعتقد بأن المحاولة ستنجح، إلا أننا كنا وما زلنا، نفضل انتصار القانون على أي مكسب آخر لنا في الجريدة أو في الصحافة. لكن المرجع نفسه أبلغنا أن لا أمل لمحاولته، وأنه في حلّ من التزاماته، وهو يضعنا في حل من أي إجراء آخر.
سابعاً: إن موقف «الأخبار» النقدي لرئيس الجمهورية، لا علاقة له البتة بأي خلاف سياسي بين الرئيس سليمان وبين أي جهة سياسية، وخصوصاً حزب الله. ويمكن من يريد التفكر، العودة إلى أرشيف«الأخبار» المتاح مجاناً على الموقع الإلكتروني، للتأكد من أن «الأخبار» ظلت في حالة نقد وتدقيق في كل ما يصدر عن ميشال سليمان، بما في ذلك الفترات الزمنية التي كان فيها قائداً للجيش، ومن ثم رئيساً للجمهورية. وأيضاً، خلال كل فترة التفاهم والتعاون الوثيق بين سليمان وحزب الله. علماً أن سليمان لطالما فاتح مسؤولين في حزب الله بموضوعات نشرتها «الأخبار» وسمع نفياً واضحاً وقاطعاً لأي علاقة للحزب بها. وبالتالي، إن موقفنا النقدي من رئيس الجمهورية غير قابل للتأثر بأي موقف سياسي.
ثامناً: إن موقف «الأخبار» من المقاومة ضد العدو الإسرائيلي، لا يمثل موقفاً شخصياً، ولا موقفاً سياسياً، بل هو موقف أخلاقي غير قابل لنقاش. ومن يعتقد أن المقاومة تحت سقف النقد، نَقُلْ له، في أي موقع كان، إنه مخطئ، وإن المقاومة خارج أي نقد. وإن محاولة السياسيين على اختلافهم الخلط بين مناقشة قيادة حزب الله في سلوكها السياسي وتحالفاتها، وحتى تدخلها العسكري في سوريا، وبين الموقف من المقاومة، لن يفيد في حسم الموقف الأخلاقي الحازم: من يتعرض للمقاومة، يخدم العدو، ومن يخدم العدو، فهو إما عميل، وإما عدو... ونقطة على السطر!