تتبع الحكومة سياسة «الحدود المفتوحة» التي يمكن من خلالها للاجئين السوريين العيش والعمل في لبنان. وينطوي ذلك على أثر اجتماعي واقتصادي كبير على لبنان، بما فيه على سوق العمل. وبغية تقويم هذا الأثر وتحديد تداعيات ازدياد أعداد اللاجئين السوريين (وكثير منهم يبحث عن عمل)، أجرت منظمة العمل الدولية دراسة تقويمية لأثرهم ومسحاً لوضع تشغيلهم في أربع مناطق، هي: عكار، طرابلس، البقاع والجنوب. وجمعت بيانات من 400 أسرة تضمنت 2004 أفراد. واستكملت استبيانات شبه منظمة باستخدام مقابلات شخصية شملت جميع أعضاء تلك الأسر.
تظهر هذه الدراسة أن غالبية اللاجئين السوريين في لبنان هم من الشباب والأطفال، إذ يقل عمر أكثر من نصفهم عن 24 عاماً. والتحصيل العلمي للاجئين عموماً متدنّ. فثلثهم إما أمي، أو لم يذهب الى المدرسة على الإطلاق و40% منهم حاصل على تعليم ابتدائي، فيما تبلغ نسبة الجامعيين 3% فقط. ويبدو أن هذه المستويات التعليمية متماثلة بين الذكور والإناث. علاوة على ذلك، لم يلتحق عدد كبير من الأطفال السوريين بالمدارس في لبنان، إذ تشير التقديرات الى أن نسبة الالتحاق بالمدرسة لا تتجاوز 31%. ويواجه الطلاب السوريون عدة عقبات، منها عدم قدرتهم على تحمل الرسوم المدرسية، وصعوبة الذهاب الى المدرسة، فضلاً عن الاختلافات في المناهج التعليمية واللغة.
وتشير النتائج أيضاً الى أن 47% من اللاجئين في سن العمل عاطلون من العمل، رغم أن أغلبهم كان لديه عمل في سوريا قبل الأزمة. ويشهد جنوب لبنان أعلى نسبة للسكان العاملين، وعكار أدناها. ويرتفع معدل البطالة في صفوف اللاجئين السوريين، ولا سيما لدى النساء حيث يبلغ 68%. ونظراً لغياب رب الأسرة في أغلب عائلات اللاجئين، أصبح لزاماً على النساء أن يبحثن عن عمل. وفي واقع الأمر، لا يعمل حالياً في لبنان إلا 6% من إجمالي اللاجئات السوريات اللواتي تزيد أعمارهن على 15 عاماً.
ويعمل العمال السوريون بشكل رئيسي في الزراعة أو في خدمات شخصية أو محلية وعلى نطاق أصغر في البناء. وتمنحهم هذه المهن دخلاً قليلاً من دون أي ضمان أو حماية، ما يعكس مهاراتهم المتدنية. وتبيّن الدراسة أن اللاجئين يميلون الى العمل في المهن نفسها التي كانوا يعملون فيها قبل الأزمة. ويعمل معظم اللاجئين في القطاع غير المنظم، إذ إن 92% منهم ليس لديه عقد عمل، كما أن 56% منهم يعمل بشكل موسمي أو أسبوعي أو يومي. ولا يحصل على أجور شهرية منتظمة سوى 23% منهم.
ظروف عمل
اللاجئين السوريين في الجنوب أفضل من طرابلس وعكار

ويبلغ متوسط الأجر الشهري للاجئين السوريين 418 ألف ليرة لبنانية، أي أقل بنسبة 38% من الحد الأدنى للأجور. وأجور الإناث أدنى من أجور الذكور بنسبة 40%. وسجلت عكار وطرابلس أدنى معدلات الأجور الشهرية (357 ألفاً و368 ألف ليرة على التوالي)، فيما كان الأعلى في الجنوب (560 ألف ليرة). لكن هذه الأجور المتدنية تستكمل نوعاً ما بمصادر أخرى للدخل. فقط صرح 36% من الذين شملتهم الدراسة بأن لديهم مصادر أخرى للدخل، إذ يعتمدون في المقام الأول على مساعدات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو على مدخراتهم الشخصية.
وتظهر نتائج المسح أن اللاجئين يستغرقون وسطياً 74 يوماً للعثور على عمل. وفيما تبلغ هذه المدة قرابة 118 يوماً في طرابلس و97 يوماً في عكار، تنخفض الى 30 يوماً في الجنوب. وتبدو العلاقات الشخصية عاملاً مهماً في إيجاد عمل، إذ عثر 40% من اللاجئين العاملين على عمل من خلال معارفهم السوريين، و36% من خلال معارفهم اللبنانيين.
ويؤثر ضعف الصحة والسلامة المهنية سلباً على اللاجئين السوريين. فقد أفاد نصف العاملين بأنهم يعانون من آلام في الظهر أو المفاصل أو من إرهاق شديد، و60% معرض للغبار والأبخرة، كما يعاني 49% من حالات زكام أو حمى شديدة. وواجهت نسبة قليلة من العمال (12%) نوعاً من النزاع في العمل، معظمهم لم يتخذوا أي إجراء عند نشوب النزاع.
وتضمنت الدراسة أيضاً اجتماعات لفريق العمل مع عمال وأصحاب عمل في الشمال والبقاع، وجرى فيها تسليط الضوء على عدد من تداعيات التدفق المستمر للاجئين:
ـــ يتركز اللاجئون السوريون بصورة رئيسية في مناطق طرفية، هي تاريخياً فقيرة ومحرومة، ما يفاقم ظروف معيشتها الصعبة أصلاً.
ـــ تعتبر المنافسة على فرص العمل واحداً من أشد التحديات التي تواجه المجتمعات المضيفة إلحاحاً، إن لم يكن أشدها على الإطلاق، وقد تراجعت فرص العمل مع الازدياد الكبير في عدد العمال. والعمال السوريون يقبلون العمل بأجور أقل، ولساعات أطول، ومن دون فوائد اجتماعية، ما أدى الى انخفاض الأجور وفرص العمل أيضاً، لكن أصحاب العمل والمنشآت اللبنانيين يستفيدون من وجود يد عاملة بأجور قليلة. علاوة على ذلك، يفتتح بعض السوريين عدداً من المنشآت الصغيرة في المجتمعات المضيفة. وتبيع هذه المنشآت بضائع سورية بأسعار أقل، ما يشكل تهديداً لنظيراتها من المنشآت اللبنانية.
ـــ حلقت أسعار السلع والخدمات الأساسية. وقد أدت زيادة الطلب على المساكن المستأجرة الى رفع الإيجار بشكل كبير. ويعزى هذا التضخم في الأسعار الى زيادة الطلب جراء النمو السكاني، وضخ النقود والقسائم الغذائية/ النقدية، وتراجع كميات البضائع الرخيصة القادمة من سوريا.
ـــ يشكل الاكتظاظ في المجتمعات المحلية المضيفة ضغطاً كبيراً إضافياً على خدمات الرعاية الصحية والتعليم ـــــ والتي هي في الأصل قليلة ورديئة الجودة ـــــ كي تستوعب التدفق الكبير للاجئين.
تقترح الدراسة عدداً من التوصيات الإرشادية التي تعالج التحديات المذكورة أعلاه وتهدف الى تحسين فرص العمل وسبل العيش للاجئين السوريين والمجتمعات المحلية المضيفة لهم على حد سواء. ويتمثل الاستنتاج الرئيسي في ضرورة تلبية أي دعم مقدم لاحتياجات المجتمعات اللبنانية بالتوازي مع احتياجات اللاجئين. وتشمل أنواع الدعم المقترحة التركيز على خلق فرص العمل مع تحسين إدارة وتنظيم سوق العمل ككل في لبنان بهدف تجنب تدهور ظروف العمل بصورة أكبر. ويمكن أن يتضمن هذا الدعم برامج لخلق فرص العمل، وتعزيز الحصول على عمل من خلال برامج «النقد مقابل العمل»، والدعم المالي، والتنمية الاقتصادية المحلية، ومراكز العمل في حالات الطوارئ. وتشمل المشاريع الأخرى صياغة سياسات عامة مع تعزيز القدرة المؤسسية لحماية العمال اللبنانيين والسوريين من الاستغلال. ومن الضروري بناء القدرات من خلال برامج تعزيز المهارات، وتوسيع معلومات وإحصائيات سوق العمل، ووضع برامج خاصة تستهدف المرأة والشباب والأطفال.
( الأخبار)

للاطلاع على الدراسة
http://www.ilo.org/global/about-the-ilo/newsroom/news/WCMS_240126/lang--en/index.htm