لم يخرج حزب الله من سوريا. مع ذلك جالسه خصومه في الحكومة. لم يسلِّم حزب الله سلاحه. مع ذلك جُرِّد بعض خصومه من سلاحهم ولوحقوا بخطة أمنية هو شريك في ضبطها. لم يقل إنه غيَّر استراتيجيته ضد اسرائيل. مع ذلك عاد الغربيون يطرقون أبوابه. لا بد من مشاورة «هذا الشريك» المزعج، و«لكن الضروري»، على حد توصيف دبلوماسي أوروبي. ما سبب هذه التحوّلات؟
هي أسباب أبرزها أربعة:
قناعة، تكبر يوماً بعد آخر، بأن الحزب بات عصيِّاً. أولاً على المستوى الأمني، وثانياً على المستوى الاجتماعي، وثالثاً على المستوى السياسي. راكم من القدرات والخبرات والأسلحة ما جعله يفرض معادلة خطيرة على اسرائيل، وعلى خصومه المحليين والاقليميين.
انتقل الحزب من متهم، اطلسياً، بالارهاب الى مساهم في مكافحة الارهاب. لا إمكانية لنجاح الجيش اللبناني في خطته الراهنة وخططه المقبلة من دون سند معنوي او أكثر من الحزب. لا امكانية للقضاء على التنظيمات الارهابية والتكفيرية في سوريا من دونه. يعرف أصحاب الشأن الامني الدور الاستخباراتي الهام الذي لعبته اجهزة الحزب في الكشف عن متفجرات وشبكات كانت ستزرع الرعب في لبنان وتعزّز الفتن. للحزب وحلفائه قوة سياسية وازنة تجعل من المستحيل اتخاذ اي قرار سياسي كبير على مستوى الوطن ضده او من دونه. الانتخابات الرئاسية خير دليل.
التنقيب عن النفط في لبنان لن يحصل اذا كان المنقِّبون على عداوة مع الحزب. هو، ببساطة، يستطيع منع ذلك بذريعة حماية المصالح اللبنانية ضد اسرائيل. هو نفسه يستطيع ان يسهِّل ذلك اذا ما تقاربت المصالح حتى مع خصوم دوليين. يتعزز ذلك لو استمر تقدم التفاهم الايراني ــــ الدولي على وتيرته الحالية.
رغم كل المصائب الاجتماعية للحرب الاسرائيلية قبل انتصار 2006 وما تلاها، تماسكت بيئة الحزب وفرحت خصوصاً بعدما اعيد بناء ما دمرته اسرائيل بأحسن مما كان. لم يتفكك التحالف العضوي بين الحزب وحركة أمل رغم وجود وجهات نظر مختلفة في بعض الأحيان. لم يؤثر اندماج الحزب في الحرب السورية على هذه البيئة رغم السقوط المستمر للشهداء. قد تظهر اعتراضات طفيفة ولكنها تبقى طفيفة. المشهد العام لهذه البيئة لا يزال الى جانب المقاومة وسيدها.
لا شك في ان التورط في الحرب السورية أساء بداية الى صورة الحزب على المستوى الوطني والعربي. كانت آلة الدعاية ضده جاهزة لتأجيج مشاعر الفتنة المذهبية. الآن تتغير المعادلة. ثمة تحوّلات جدية في الرأي العام العربي. تأتي وفود كثيرة الى حزب الله في طريقها الى سوريا. تضم الوفود تيارات وطنية وعروبية وناصرية مناهضة لاسرائيل. ياتي معارضون سوريون استجابة لدور الحزب في تعزيز المصالحة والتخفيف من ويلات الحرب.
ماذا عن دور الحزب في الرئاسة؟
ظهرت خلال اليومين الماضيين مواقف اميركية وفرنسية وايرانية وعربية تدعو الى انتخاب رئيس لبناني توافقي. حسم البطريرك الماروني بشارة الراعي موقفه الرافض لان يكون الرئيس المقبل من 8 او 14 آذار.
الحزب يجاهر بدعمه العماد ميشال عون. السيد حسن نصرالله حاسم في هذا الموقف. لكن الساعين الى رئيس توافقي راغبون، وأكثر من أي وقت مضى، باقناع الحزب بتغيير موقفه. الأبواب حتى الآن موصدة أمام اي بحث باسم رئيس غير عون. هذا موقف فيه من الوفاء بقدر ما فيه من السياسة او اكثر.
الرئاسة مهمة، لكن الأهم ان حزب الله الذي اريد له ان يختفي من الساحتين السياسية والامنية بعد الاعتقاد بسقوط وشيك للنظام السوري، يجد نفسه اليوم أبرز ناخبي رئيس الجمهورية في لبنان. لديه القدرة على التوافق مع أمل ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط وكتلة العماد عون وبعض الحلفاء، اذا ما اقتنع جنبلاط بأن مصلحة الجبل والعلاقة مع الحزب تقضي بذلك. لدى الحزب، ايضاً، القدرة على التفاهم مع حلفائه وتيار المستقبل في اتجاه الرئيس التوافقي اذا اقتنع عون باستحالة ان يصبح رئيساً، وقبل ان يشارك في صنع الرئيس (رغم استحالة ذلك حالياً). أما اذا سُدت السبل وفُرض رئيسٌ خصم للمقاومة، فان الحزب قادر على التعطيل.
عزَّز حزب الله، أكثر من أي وقت مضى، دوره كجزء من محور اقليمي ودولي كبير. يشعر هذا المحور بأنه حقق انجازاً استراتيجياً كبيراً في سوريا. هكذا يشعر الحزب ايضاً، لكنه يتصرف في سياسته اللبنانية الداخلية من منطلق انه مجرد جزء من نسيج اجتماعي يتطلب التوافق. البعض يرى في ذلك ضعفاً. العارفون يدركون ان في ذلك بداية لمرحلة تحوّلات اقليمية ودولية اكثر اهمية من بيان وزاري هنا او رئاسة جمهورية هناك.
بين بيروت ودمشق وطهران والقرم قصرت المسافة.
8 تعليق
التعليقات
-
الوفاء من أهل الوفاءالوفاء من أهل الوفاء لم نكن لبرهة نشك ان الحزب سيبادر الى مساندة الأسد عندما يجد الجد. من كان يفهم السياسة وطبيعة وأخلاق السيد ان لا يكون موقناً ان الحزب سيساند الأسد عاجلا ام آجلا وهو الذي رفض تنفيذ الأجندة المقدمة له من واشنطن عند بداية الأحداث والتي تتضمن فك الارتباط بمحور المقاومة ومحاصرة الحزب عبر توقيف الدعم اللوجستي وتدفق الأسلحة للمقاومة وينجو بنظامه. فهل من غبي وعديم التقدير ان لا يعرف ان الحزب قادم ليُسدي المعروف لمن عرض نفسه وسوريا لكل ما يحصل الان مقابل ان لا يتم استفراد المقاومة. وهنا الف تحية للأسد الذي اصبح المقاوم الاول بعد هذا النزال والوفاء المتبادل للمقاومة والقيم والعروبة والتاريخ. وهنا نذكِّر ان صلاح الدين والظاهر بيبرس لاقو نفس الإنكار من الحكام يوم ذاك ولم يدعمهم احد منهم على أساس ان العين لا تقاوم المخرز وأنهم لن يقوو على الصليبيين والتتار. واليوم يدرِّسون الأجيال عن بطولات الاثنين ولا يتحدثون عن تخاذل الجميع يومها. والمستقبل سوف يتكلم عن السيد والرئيس الأسد كيف وقفوا وحدهم وهزمو الأتراك والإسرائيليين والأمريكان والسفليين ومن لف لفهم......
-
"السيد" عبد الناصر ... الثاني!يروى أن أحد المفكرين القوميين العرب قال خلال لقاء له مع السيد حسن نصرالله قبل أحد عشر عاماً"أتعلم يا شيخ حسن لو لم تكن شيعياً لرأى فيك العرب عبد الناصر الثاني!". احتلال الصهاينة للجنوب وتهديدهم المستمر للبنان وأطماعهم بمياهه وثرواته ألقى على كاهل هذا الشاب الجنوبي الآتي من أسرة شعبية متواضعة عبء المقاومة وكان جهده الشخصي وإيثاره الذاتي وتضحيات مقاتليه في "حزب الله" المداميك الأساسية التي صنعت له هذه المكانة الفريدة في الوجدان اللبناني والعربي. لا يضير "السيد" شيعيته إذ استقطب قبله جورج حبش ونايف حواتمة المسيحيان إعجاب واحترام الشباب العربي التائق للحرية من المحيط للخليج، كما يجمع العرب على بطولة صلاح الدين الكردي "السني" من تكريت شمالي العراق في تحرير أرضهم من الاحتلال الصليبي. يقول الحزب إن ذهابه إلى سوريا أجهض قيام دويلات لـ"النصرة" وإمارات "لـ"داعش" على حدود لبنان مع سوريا ودرءاً لخطر الحركات الإرهابية التكفيرية التي كانت ستنتقل إلى الداخل اللبناني و"تشطب" الجميع كما قال "السيد". "حزب الله" بإجماع الكثير من المحللين بات بعد مقاومته للعدو الصهيوني و تدخله المثير للجدل في سوريا رقماً صعباً محلياً وإقليمياً ولا يمكن تجاوزه في إيجاد أي حلول للبنان وللمنطقة.
-
"التنقيب عن النفط في لبنان لن"التنقيب عن النفط في لبنان لن يحصل اذا كان المنقِّبون على عداوة مع الحزب. هو، ببساطة، يستطيع منع ذلك بذريعة حماية المصالح اللبنانية ضد اسرائيل. هو نفسه يستطيع ان يسهِّل ذلك اذا ما تقاربت المصالح حتى مع خصوم دوليين." مثل هذه العبارة فيها مافيها وغير موّفقة في الصياغة إن أحسنّا النيّة بقصد الكاتب ..! حزب الله لن يعرقل التنقيب بذريعة إلا إن كان في الأمر مايعرقل فعلا ، كأن تكون الشركات مشبوهة الولاء للصهاينة أو غير ذلك من الأسباب ، وحينها لن يسهّل أمور نفس الشركة المشبوهة حين تقارب المصالح ،، أرجو أن يكون الالتباس في فهمنا لقصد الكاتب فقط لا أكثر ..!
-
نتائج هذه المعركه ستحدد معالم المنطقه وطبيعة وجهها الجديدفي سباق مع تحولات الاوضاع العسكريه في سوريا.قد تكون قضية فلسطين الاوفر حظا والاكثر ممن يحقق مكاسب استراتيجيه إن حقق الجيش السوري وحليفه حزب الله. انتصاراً يضمن تغييراً جذرياً في سياق الصراع في الشرق. تزويد ما يسمى بالمعارضه بالسلاح في حين يحقق الجيش السوري انجازات مهمه.ما ذلك إلا لأن الامريكي يريد فقط إطالة أمد الصراع واستنزاف سوريا أكثر.والابقاء على الشرخ بين دول وممالك العرب الذي أفرزته الازمه السوريه.لأن حلم الغرب والامريكي تحديث سايكس بيكو على أساس طائفي ومذهبي.. سباق في اتجاه الشرق..تركيا وأنظمة البيترودولار.الغرب وحلم عودته الاستعماريه..الصهاينه أيضاً وما بعد لجنة فينوغراد.. ما فتيء هذا الفريق الذي يدعم الارهاب في سوريا يرفض الاعتراف علنا بهزيمته.. لم تتضح بعد خارطة أم رؤية الأمريكي التقسيميه الذي يقوم بقراءه يوميه لمجريات الاحداث.وهذا التأخير يعود لصمود سوريه في معركتها ضد الارهاب،وهنا يصح القول أن نتائج هذه المعركه ستحدد معالم المنطقه وطبيعة وجهها الجديد
-
ما هو ابعد من رئاسة الجمهورية ؟؟؟قصرت المسافة .. ماذا تعني يدخلون في اتحاد كونفدرالي..؟؟؟؟؟؟ام يشنون حرب ضد اسرائيل ؟؟؟ نريد ان نفهم!!
-
ان ينصركم الله فلا غالب لكمان ينصركم الله فلا غالب لكم
-
حزب الله لم يتورط .( لا شك في ان التورط في الحرب السورية أساء بداية الى صورة الحزب على المستوى الوطني والعربي ) يقول الكاتب . إن تسمية المجهود العسكري لحزب الله في سوريا في محاربته المسلحين التكفيريين هناك إلى جانب الجيش العربي السوري تورطاً ليسفي في مكانه و غير صحيح, و حزب الله في هذه الحالة ليس في وَرْطة لا عسكرية و لا سياسية و لا أخلاقية , و غداً عندما تنجلي أغْبِرة المعركة عن النصر المبين في هذه الحرب على جحافل الشر والجهل لصالح المقاومة سيرفع الجميع , المبغِض قبل المحب الأيادي بالتحية و الإحترام لهؤلاء الرجال وفي طليعتهم سيدنا حسن نصرالله . لماذا ليس صحيحاً تسمية التواجد العسكري لحزب الله في سوريا تورطاً ؟ لأنه إذا قلنا أن الحزب تورط في سوريا فمعناه أنه وقع هناك في مشكل و لم يستطع النجاة منه و تداعى عليه ذلك مشكلات قاتلة في الداخل اللبناني , و الوَرْطة هي الوقوع في أمر لا خلاص منه و هي كل أمر تعْسُر النجاة منه , بينما الحزب في سوريا لا يخرج من نصر إلا إلى نصر آخر و آخره في رنكوس .