جثّة مقطّعة، ملفوفة بكيس، مرميّة في مستوعب نفايات في منطقة الأوزاعي ــ جنوب بيروت. الخبر ليس عادياً. فرغم انتشار صور الموت البشعة أخيراً، في لبنان وخارجه، إلا أن جرائم كهذه لم تُصبح بعد مألوفة. نزل الأهالي في المنطقة المذكورة، صباح أمس، تجمّعوا حول سيارة «سوكلين» التي كانت تجمع النفايات، وراحوا يسألون عمّن يكون صاحب هذه الجثّة.
صاروا يتهامسون: «لا نعرفه. من فعل هذا؟! لم نشهد جرائم كهذه هنا من قبل». وصف المشهد ليس سهلاً. الجثّة مقطّعة على نحو مخيف. الرأس مفصول عن الجسد، اليدان في جهة والرجلان في أخرى، وهكذا، لم يبق عضو في الجسد إلا قُطّع. مقابل المدرسة الأهلية، وسط طريق الأوزاعي العام، اكتشف أحد عمّال جمع النفايات ذاك الكيس الأسود. حضرت القوى الأمنية، من سرية الضاحية التي لا يبعد مركزها عن المكان كثيراً، ثم حضر الطبيب الشرعي وعاين الأشلاء، وفُتح التحقيق. الجريمة لم يمض عليها أكثر من 24 ساعة، بحسب الكشف الطبي، وملامح الوجه ما زالت واضحة. الأهالي لا يعرفونه، القوى الأمنية لا تعرفه، لا هوية تُثبت ولا شهود يشتبهون حتى. لاحقاً رجّح البعض أن يكون صاحب الجثّة سوري الجنسية. أدرك الأمنيون أنهم أمام جريمة قتل، ورجّح بعضهم أن تكون الدماء التي وجدت في منطقة برج البراجنة ــ عين الدلبة، على الأرض، تعود للقتيل الذي وجدت جثته في الأوزاعي. المسافة ليس قصيرة بين المنطقتين.
وجدت جثته
محروقة بعد تعرضه للطعن عند ساحل الشوف
أخذت عيّنة من الدماء، لمقارنتها بدماء الجثة، ولغاية مساء أمس لم تكن قد ظهرت النتائج. لاحقاً، علمت «الأخبار» أن ثمّة شكوكاً لدى بعض الأمنيين، لناحية كون الجريمة حصلت «لأسباب أمنية تتصل بالأحداث في سوريا؛ فالقتيل قد يكون مقرّباً من النظام في سوريا، وكان ينقل لجهات معينة معلومات، وبالتالي يحتمل أن يكون القاتل مقرّباً من العصابات التكفيرية في سوريا». هذا الرواية ينقلها أمنيون، من دون قدرتهم على الجزم بها بعد، ويتكتّمون على المعطيات التي أدّت إلى هذا الاستنتاج.
في اليوم نفسه، أي أمس، جاء خبر قتل بطريقة وحشية، أيضاً، من منطقة السعديات ــ جنوبي العاصمة. القتيل سوري الجنسية. هذه المرّة كانت هويته واضحة. هو مهند العتلي (45 عاماً). وجدت جثته محروقة بالكامل، داخل غرفته عند ساحل الشوف، بعدما تعرّض للطعن مرّات عدّة في أنحاء جسده. إذاً، قُتل بالكثير من الطعنات، ثم أُحرق، بحسب ما أظهر كشف الطب الشرعي. القتيل، أيضاً، ثمّة من تحدّث عنه من بين الأمنيين لناحية كونه «مخبراً». ما الحكاية؟ هل نحن أمام موجة تصفية «مخبرين سوريين» على أيدي المجموعات المسلحة في سوريا، أو على أيدي جهة أخرى تدور في الفلك نفسه داخل لبنان؟ الأمنيون يأخذون الفرضيات على محمل الجد، والتحقيقات مستمرة، وربما تكشف كاميرات التسجيل بعد تفريغها شيئاً جديداً.
ثمّة حادثة ثالثة، حصلت قبل نحو شهر ونصف الشهر، في الضاحية الجنوبية لبيروت. سوري قفز من مبنى عالٍ، في منطقة الحدث قرب الجامعة اللبنانية تحديداً، وفارق الحياة. هذا كان «مخبراً» على نحو مؤكّد. في الظاهر قيل إن ما حصل هو «انتحار». لكن بعض الأمنيين يفترضون وجود من قتله، ثم رماه من أعلى، أو رماه أصلاً وهو على قيد الحياة. تزداد الريبة في هذه الحوادث، أكثر، مع العودة إلى حادثة قتل إضافية حصلت قبل أقل من شهر. عُثر آنذاك على الشاب علي هرموش، سوري الجنسية، مقتولاً بعدة طعنات سكين في منطقة الفنار ــ قضاء المتن. حصلت الجريمة داخل مشروع قيد الإنشاء، قرب مبنى الجامعة اللبنانية هناك. واللافت يومها أن أحدهم، ظل مجهولاً، كتب على جدار الغرفة التي قتل داخلها هرموش عبارة: «انتقاماً ليبرود ولشرف سوريا». هذه العبارة كُتبت على الجدار بدماء القتيل!
مصادر أمنية نقلت لـ«الأخبار» وجود هواجس من مسلسل قتل، بين السوريين أنفسهم، على خلفية الأزمة القائمة في سوريا. ويلفتون إلى أن الملف الأمني للسوريين في لبنان أصبح كبيراً جداً، بعدما أصبح عددهم غير الرسمي نحو 2 مليون تقريباً. ففي السابق، كانت القوى الأمنية تشكو من قلة العديد، قبل التدفق السوري إلى لبنان، أما اليوم، «فربما بتنا بحاجة إلى إعلان حالة طوارئ أمنية». يُذكر أن القوى الأمنية، بمختلف أجهزتها، ليس لديها القدرة الاستيعابية لتوقيف كل من يجب توقيفه، فأكثر الفصائل والمخافر لا تكاد تتسع للعاملين فيها. باتت بعض القوى الأمنية، في الآونة الأخيرة، لا توقف اللبناني والسوري على حد سواء «إلا إذا كانت تدور حوله شبهة أمنية ما. أما الحالات الجنائية التقليدية، فيتم تجاوزها أو بالأحرى لا يُحقق فيها كثيراً، تحاشياً لتوقيف غير مرغوب فيه أو لا قدرة عليه! ليس هناك زنازين ونظارات كافية!».
هكذا، يبدو أن الدولة «ترفع العشرة» (إشارة الاستسلام) أمام الواقع الأمني الذي بات أكبر منها، ما يستدعي، جديّاً، التفكير في خطة أمنية شاملة على مساحة لبنان، لا يكون هدفها الوحيد قضايا «الإرهاب» فقط، بل تشمل مختلف المطلوبين والمشتبه فيهم جنائياً. إن لم يحصل هذا، فقد نكون على موعد مع مزيد من الجرائم المخيفة، وربما انفجار جنائي ــ اجتماعي من النوع الذي يستحيل معه المجتمع إلى «غابة».

يمكنكم متابعة محمد نزال عبر تويتر | @Nazzal_Mohammad