أعلنت «هيئة التنسيق النقابية» الاضراب اليوم في كل الثانويات والمدارس العامة والخاصة والوزارات والادارات العامة، ودعت إلى تنفيذ الاعتصامات في الوزارات والسرايا الحكومية في المناطق عند العاشرة صباحا. وقال رئيس رابطة اساتذة التعليم الثانوي حنّا غريب ان الهيئة ستعود الى الإضراب في 29 الشهر الجاري، وستنظّم تظاهرة حاشدة، بعد انتهاء عطلة عيد الفصح وفرصة الربيع في المدارس، اي إن تحرّكات هيئة التنسيق ستكون في عطلة حتى يوم واحد قبل انتهاء المهلة المحددة للجنة النيابية ـــ الحكومية التي كلّفت اعادة درس السلسلة وضرائبها.
قرار الهيئة بالاضراب اليوم جاء كرد فعل مباشر على نتائج الجلسة النيابية العامّة، التي انتهت الى تصويت أكثرية النواب على اقتراح تأجيل بحث السلسلة لمدة 15 يوماً، وتأليف لجنة لإعادة بحثها. كانت لحظة التصويت «لحظة الحقيقة» بالفعل، كما سماها غريب في كلمته امام الاعتصام، الذي نفّذته الهيئة امس في ساحة رياض الصلح، بالتزامن مع انعقاد الجلسة النيابية. كانت لحظة امتحان ولاء «نواب الأمة» الحقيقي: هل هو للـ «1% من السكان الذين يستولون على نصف الثروة، أم مع للـ99% من السكان الذين يتحملون عبء تراكم الثروة لدى القلة، ويضطرون إلى قبول شروط عمل مجحفة وأجور متدنية وخدمات متردية وتأمينات اجتماعية ناقصة ومشوهة واسعار مرتفعة ومستويات معيشية غير لائقة»؟ بحسب ما تساءل غريب. لم يتأخر الجواب عن سؤاله، فصوت 65 نائباً لمصلحة المزيد من «التريث» في بحث السلسلة، علماً أن البحث فيها جارٍ منذ أكثر من سنتين، فيما عارض التأجيل 27 نائباً.
لم يُفاجأ كثيرون بإمعان المجلس النيابي في المماطلة والتسويف، فبعد الاتفاقات والتعهدات التي قطعتها غالبية الكتل النيابية لممثلي «هيئة التنسيق النقابية» بإقرار السلسلة بما يرضي أصحاب الحقوق، جاء تقرير اللجان النيابية المشتركة «هجمة على هذه الحقوق تضرب الكثير منها»، ما دعا نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض إلى رفض الابتزاز وفق صيغة «إما لا سلسلة، وإما سلسلة مشوهة ومقسطة ومجزأة»، فيما أكد غريب ثبات موقف هيئة التنسيق، ورأى أن «المعركة مفتوحة مع حيتان المال وزعمائهم»، في اعتصام المئات من الأساتذة والمعلمين وموظفي القطاع العام والمتعاقدين والمتقاعدين والمياومين وعائلات العسكريين الذين رفعوا لافتات تدعو النواب إلى إقرار السلسلة مع كامل الحقوق، وتمويلها من «سلسلة النهب والهدر والفساد والتسيب الحالي، لا من حساب ذوي الدخل المحدود والفقراء»، وتحذر النواب «الذين يدعون تمثيل الشعب من ضرب حقوق السلسلة»، متوعدة بمحاسبتهم في الانتخابات. وكان قد انطلق، في موازاة الاعتصام، حشد من موظفي الإدارات العامة من مبنى الـTVA التابع لوزارة المالية في مسيرة إلى مستديرة العدلية، حيث قطعوا الطريق العام لبعض الوقت، «احتجاجاً على المماطلة في إقرار السلسلة»، وألقى نائب رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة وليد الشعار كلمة تطالب بإقرار السلسلة دون «البنود التخريبية»، وتحذر من التصعيد إذا لم تُلبّ المطالب.
كأنما كان النواب «يستحون» بما يفعلون، حاولوا إخفاء تقرير اللجان النيابية المشتركة وتهريبه، قال غريب، واصفاً سلوكهم ذلك بـ«الفساد بعينه»؛ وأكد أن «عدم اقرار سلسلة الرتب والرواتب كاملة، أو تجزئتها وتقسيطها، هو بمثابة فتح معركة مع القطاع العام ومشروع تصفية لهذا القطاع من قبل الهيئات الاقتصادية والمدارس الخاصة»، داعياً «جميع المتضررين الى الاستعداد لاستكمال المواجهة إذا كانت قرارات النواب في خدمة مصالح اصحاب الرساميل» المصرفية والعقارية والتجارية، محذراً من أن «كل نائب يقبل المساومة على حقوقنا خدمة لمصالح اصحاب الثروات الطائلة، الذين يحققون ارباحا خيالية من جيوبنا واموالنا واملاكنا العامة وريوع دولتنا، يساير الباطل على حساب الحق ويشتري رضى الاثرياء ويبيع ولاء الفقراء، فلا تنتخبوه». ودعا غريب إلى عدم الاكتراث «لحملات التخويف» من زيادة الاقتطاع الضريبي على أرباح المصارف، فمعدلات الضريبة السائدة هي «أدنى بكثير من أي مكان آخر في العالم الرأسمالي»، فيما يدفع الموظف ضريبة مباشرة تقل نسبتها عن تلك التي يدفعها «حيتان المال» كضريبة ربح على فوائد ودائعهم، وتُعفى من الضرائب على الأرباح «شركات الهولدينغ والأوف شور».
«لم نأخذ حقا أو باطلا حول ما يخططه ويفبركه النواب من أرقام وإصلاحات»، قال رئيس رابطة التعليم المهني والتقني ايلي خليفة، موضحاً أنه «بالغاء المنح المدرسية يحاربون الفساد، وبحرمان التعليم الاساسي الدرجات يوقفون الهدر، وبتقسيط المستحقات المستحقة منذ سنوات يكون الاصلاح، وبحرمان عائلة الموظف المتوفَّى المعاش التقاعدي تستقيم الدولة»! وكمن يدرك فعلاً أنه يرتكب إثماً، «حاول البعض في المجلس النيابي تحويل الجلسة إلى سرية، لكن اقتراحه سقط، وستكون جلسة علنية، وسنحاسب كل نائب على ما يقول ويفعل»، حذر محفوض، لافتاً إلى أن «جميع رؤساء الاحزاب والكتل النيابية كانوا قد أكدوا أنهم معنا». وشدد محفوض على أن «الاصلاح يكون في (ضبط الفساد في) المرفأ والمطار و(تحرير) الاملاك البحرية ومحاربة المافيات في القطاع العام، لا في زيادة الدوام والغاء المنح المدرسية»، معلناً أن المشروع المحال على المجلس النيابي لا يشمل المعلمين في المدارس الخاصة. ودعا محفوض مساءً المعلمين في القطاع الخاص إلى «انتفاضة» وإلى نزولهم جميعاً الى الشارع، محذراً من «ثورة شعبية».
لم يكن التفاؤل بإقرار السلسلة سيد الموقف في الاعتصام صباح أمس، فقد كان الكثيرون يتوجسون من الضغوط التي تمارسها الأحزاب على من يرتبط بها من قادة «هيئة التنسيق» لدفعهم إلى قبول صيغة للقانون لا تقر الحقوق كاملة، وكذلك من محاولات شرذمة قطاعات الهيئة عبر التمييز بين قطاعاتها في القوانين المقترحة، وخصوصاً لجهة الدرجات المعطاة. «الوضع خطر»، تقول إحدى المعتصمات، «والتكاتف ضروري» في وجه الضغوط ومساعي الشرذمة.
سنعود الى
الإضراب في 29 الجاري وسننظّم تظاهرة حاشدة


«الاشتراكي بعث برسائل نصية قصيرة تطلب من مناصريه مقاطعة التحرك» ليل أول من أمس، وحركة أمل وحزب والمستقبل طلبا من أنصارهما الأمر نفسه، كما أن حضور حزب الله ضعيف و«رمزي»، يقول أحد المعتصمين، نافياً علمه بأي أمر يتعلق بموقف أو مشاركة الحزب السوري القومي الاجتماعي. «القيادات السياسية عموماً ضد التحرك، لكن بنسب متفاوتة»، يؤكد المعتصم نفسه، مشيراً إلى أن «الفرز الحقيقي» قد بدأ بالفعل بين القوى السياسية بمعيار الموقف من الحقوق الاجتماعية الاقتصادية، وبين النقابيين أنفسهم، بين «الأدوات المرتبطين» بأحزابهم السياسية بغض النظر عن موقف تلك الأخيرة من حقوقهم، و«القلة الأحرار» منهم؛ غير أنه يتوقع أن ينتهي الصراع الاجتماعي هذا وفق «صيغة لا غالب ولا مغلوب، كما البلد ككل»، نتيجة ما يراه حتمية رضوخ غالبية القيادات النقابية لتسوية ما ستفرضها القوى السياسية الطاغية.
البعض الآخر كان أكثر تفاؤلاً، إذ كان يلمس تعاطف جماهير قوى «تقليدية» كحزب الله وحزب المستقبل مع الحراك، برغم المشاركة الفعلية للقليل منهم. «لم يكن هؤلاء يتعاطفون أبداً مع تحركات الهيئة، أو يتفاعلون مع خطاب رموزها في السابق»، لكن ثمة ما تغير في الآونة الأخيرة، تقول إحدى المعتصمات، متحدثة عن «خروق للبيئات التقليدية»، تعبيراً عن عمق الأزمة الاجتماعية التي لم يعد بالإمكان تجاهلها أو علاجها «بالمسكنات». فهل نجرؤ على الطموح لأن يبلغ ضغط القواعد الشعبية على قيادات أحزابها حداً يدفعها إلى فرض التنازلات على «حيتان المال»، شركائها التجاريين والسياسيين؟