فازت لائحة فادي الجميّل بكامل أعضائها في انتخابات جمعية الصناعيين. فارق الأصوات بين لائحة الجميّل ولائحة منافسه رامز بو نادر كان كبيراً نسبياً. فالجميّل حصد نحو 318 صوتاً مقابل 117 صوتاً لبو نادر. أما بالنسبة إلى أول الفائزين، فقد كان نظريت صابونجيان، مع حصوله على 366 صوتاً، في حين أن الأخير كان يوسف كرم، وحصل على 84 صوتاً فقط.
إذاً، هل تُحقّق هذه النتائج ما يريده الطرفان المتنافسان؟
جاء فوز الجميّل في سياق «استمرارية» النمط السابق لإدارة الجمعية، الذي مثّله أخيراً نعمت افرام. هذا يعني أن هناك قسماً كبيراً من الصناعيين لم يرغبوا، أو لم تكن لديهم الجرأة، على ممارسة التغيير الذي وعدتهم به اللائحة الأخرى، أي استعادة موقع الجمعية ودورها في «الهيئات الاقتصادية». بنى بو نادر كل معركته تقريباً على إقناع الصناعيين بأن ولاية افرام كانت تدميراً لموقع الجمعية، وبالتالي إضعافاً لقوة تمثيلها لمصالح الصناعيين المتآكلة. الجميّل لم يرفع الشعار نفسه، بل كان أكثر براغماتية عندما ردّد أن «فوز هذه اللائحة يزيد من حجم التحدي، ونحن لدينا ملء الثقة بأننا سنستطيع أخذ الجمعية إلى مراحل متقدمة». وفي جميع مراحل الترشيح والانتخابات، كان افرام حاضراً إلى جانب الجميّل، وحين أعلن فوز الجميّل، قال افرام: «بفخر كبير باتت الجمعية صوتاً صارخاً وأساسياً ومرجعياً، وفي طليعة المنادين إلى جانب الهيئات الاقتصادية بزيادة منعة البلاد اقتصادياً واجتماعياً». بمعنى أنه أعلن فوز النهج الذي يحكم إدارة الجمعية ويشكوه الصناعيون عموماً. قد لا يكون ذلك صحيحاً، إلا أن ما سبقه يجعله أقرب إلى الصحيح. فنتائج الانتخابات، بمعزل عن صدق الشعارات، جاءت لتفصل بين خيارين أساسيين: التسليم كلياً بقوّة التصويت الحاسمة لعدد قليل جداً من كبار الصناعيين ورعاتهم السياسيين، فهؤلاء باتوا يعقدون اتفاقات مسبقة يقررون فيها من يتولى رئاسة الجمعية اليوم ومن سيتولاها بعدها، مختزلين بذلك الهيئة الناخبة ومهمّشين كلياً تأثير التطورات والتحديات الطارئة في تحديد الخيارات الانتخابية، تماماً كما يحصل في الانتخابات النيابية. وهذا هو الخيار الذي انتصر في معركة الجمعية الأخيرة، فالفائز بالرئاسة الآن هو فادي الجميّل الذي سبق أن تخلّى عنها في الدورة السابقة لنعمت افرام، في مقابل تعهد بأن يفوز الجميل في الدورة اللاحقة، أي التي جرت يوم السبت الماضي في فندق مونرو. أمّا الخيار الأساسي الثاني، فهو التمرّد الذي دعا إليه رامز بو نادر على الانتخابات المعلّبة، وهو فشل بذلك، إذ تبيّن أن قاعدة الصناعيين المقترعين لم تبلغ هذا الحد، وهي لا تزال محكومة باعتبارات متصلة بهوياتهم الحزبية والطائفية... إذ تكفي الإشارة إلى أن بو نادر واجه ممانعة قوية أيضاً من القواعد الصناعية القريبة منه حزبياً والمحسوب عليها طائفياً وسياسياً.

تلقى بو نادر وعوداً وكلام شرف بانتخابه، لكن النتائج كشفت العكس
في الواقع، لم يكن حسم الخيارات ينتظر النتائج في صندوق الاقتراع، إذ كان بعض الصناعيين يرون أن المعركة منتهية لمصلحة فادي الجميّل منذ البداية، وأنه لا يمكن بو نادر أن يحقق أي خرق. ولذلك بسبب تداخل مجموعة واسعة من العوامل، منها: إن الجميّل، وإن لم يكن محسوباً على حزب الكتائب مباشرة، إلا أن انتماءه العائلي ــ السياسي دفع النائب سامي الجميّل إلى زيارة رئيس مجلس النواب نبيه برّي وتسويق فادي الجميّل لديه، وهو ما أثمر قبل يومين، إذ صوّتت الكتلة الشيعية بين الصناعيين لمصلحة فادي الجميّل، مع أنها كانت أميَل إلى بو نادر. ثم حيكت الانتخابات من خلال لعبتي «التوافق» و«التوازن الطائفي» اللتين كانتا أكبر ذريعتين من أجل إخفاء الموقف الحقيقي للثنائية الشيعية وللتذبذب الأرمني والصناعيين ذوي الميول العونية. فقد لجأ المقرّبون سياسياً إلى بو نادر، إلى مواقف ملتبسة أيضاً. ففيما كان النائب ميشال عون يدعم بو نادر، اصطف الصناعيون المحسوبون عليه مع الجميّل، وكان معلناً أن جورج نصراوي وبوب ملّاح، هما أول اسمين على لائحة الجميّل «ثم أَدرجنا أسماء إضافية معروفة بهويتها العونية من أجل إرضاء الجنرال»، يقول أحد كبار الصناعيين. واللافت، أنه ليست هناك أسباب واضحة لدى نصراوي وملّاح بشأن انضمامهما المبكر إلى لائحة الجميّل، سوى أنهما كانا يميلان إلى تطبيق الاتفاق المعقود أيام انتخاب نعمت افرام، أي انسحاب الجميّل لمصلحة افرام على أن يحصل على الولاية التالية.
أما لعبة التوازنات الطائفية في مجلس الإدارة فكانت الذريعة الثانية التي تذرّع بها «حلفاء» بو نادر السياسيون. فهم قالوا إنه يريد إطاحة التوازن الطائفي وإن المعركة الانتخابية ستدفع المسيحيين، وهم غالبية الأصوات، إلى تشطيب المسلمين، وبالتالي خروج السنّة والشيعة والدروز من مجلس الإدارة. لم يطل الأمر قبل أن يصبح هذا الكلام لسان حال كبار الصناعيين وممثلي الثنائية الشيعية والصناعيين الدروز. لكن اللافت أن أصحاب هذا الخيار لم يحيّدوا أنفسهم عن المعركة واستمروا في قيادة عمليات مناورة واسعة تحت عنوان «التوافق» رغم قدرتهم على الترشّح منفردين بعيداً عن اللائحتين وإخضاع الصناعيين لـ«امتحان» الإبقاء على التوازن.
الأكثر وضوحاً في هذه الانتخابات، هو موقف تيار المستقبل وصناعييه الذين أبلغوا بو نادر أنهم يرفضون إدراج أيّ منهم على لائحته، وأن خيارهم هو مع الجميّل.
خريطة الاتصالات هذه انعكست بصورة أكثر وضوحاً يوم الانتخاب. ففيما تلقى بو نادر وعوداً من الثنائية الشيعية بمنحه أصواتهم، وحصل على «كلام شرف» من كتلة الصناعيين الأرمن بالتصويت له، أبلغه الصناعيون الدروز أنهم سيمنحونه عدداً محدوداً من الأصوات... لكن تبيّن أن أكثر من نصف الأصوات التي حصل عليها بو نادر أدرجت معه اسم الجميّل الذي حصل على 318 صوتاً. اللافت أن ممثلي الثنائية الشيعية والكتلة الأرمنية والصناعيين الدروز حققوا أعلى الأصوات: وليد عساف 364 صوتاً، نظريت صابونجيان 366 صوتاً، لورنس توفيكجيان 364 صوتاً، أسامة حلباوي 361 صوتاً، عدنان عطايا 360 صوتاً، خليل شري 355 صوتاً، شاكر صعب 355 صوتاً، إبراهيم ملاح 370 صوتاً، بسام محفوض 358 صوتاً، وحسن ياسين 346 صوتاً... لكن باقي النتائج كانت متقاربة أيضاً في مستوياتها (فوق 300 صوت) بين المرشحين المناوئين لبو نادر: زياد دكاش 306 أصوات، أنطوان صليبا 290 صوتاً، داني عبود 287 صوتاً، محمد زيدان 303 أصوات، عمر الحلاب 300 صوت، جان ميشال مخباط 306 أصوات، ميشال ضاهر 307 أصوات، جويس جمال 303 أصوات، منير البساط 306 أصوات، مازن سنّو 302 صوت، شوقي دكاش 300 صوت، جورج نصراوي 307 أصوات، نقولا أبي نصر 308 أصوات.
هكذا، أصبحت الاتفاقات المسبقة عرفاً مكرّساً في جمعية الصناعيين على حساب الانتخابات ومصالح أعضاء الجمعية.