«في البداية ستمر علينا بضعة أيام قاسية، صواريخ وقذائف صاروخية بشكل أساسي على منطقة تل أبيب، الدفاع الجوي سيدافع أساساً عن منشآت استراتيجية وقواعد عسكرية، وفي المدن الكبرى ستنهار مبانٍ وستكون هناك إصابات. لكن هذا لن يستمر لفترة زمنية طويلة. سلاح الجو سيرد فورا، وبعد عدة ايام سيقود ذلك الى تقليص نوعي في وتيرة إطلاق الصواريخ على إسرائيل. وبعد ذلك سيأتي وقف النار، ثم قليل من إطلاق النار وحينئذ سيكون هناك هدوء نسبي لعدة سنوات بفضل الردع الذي رُمم».
السيناريو المتقدم يتحدث عن الحرب القادمة من المنظور الإسرائيلي، وهو «السيناريو الخطير الذي يستعد له الجيش، كما أنه الهدف الإستراتيجي للقيادة السياسية»، بحسب تحقيقٍ لمحلل الشؤون الإستراتيجية في الموقع الإلكتروني لـ «يديعوت أحرونوت»، رون بن يشاي. موضوع التحقيق هو رصد التطورات والتحديثات التي شهدها سلاح الجو الإسرائيلي خلال السنوات الماضية، خصوصا منذ عدوان تموز 2006، لكنه في السياق تحول إلى مناسبة للتطرق إلى الشكل الإفتراضي للحرب القادمة، وذلك في إطار النقاش الذي تشهده المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بين وجهتي نظر. الأولى عرّابها سلاح الجو، الذي يعتقد أن في إمكانه وحده تقريباً تحقيق هدف الحرب المتمثل «بإنهائها سريعا وتقليص الأضرار والخسائر على الجانب الإسرائيلي وإنزال حد أقصى منها في الجانب الآخر من أجل دفعه إلى وقف النار، من دون أن يضطر الجيش إلى القيام بمناورة برية داخل مناطق العدو». والثانية يتبناها أعضاء في هيئة الأركان العامة من الذين «ما زالوا حتى الآن يعتقدون بضرورة العمل بريا من أجل إسكات نيران آلاف الصواريخ، كما أنهم يشككون بالحرب القصيرة زمنياً».
سبق لدان حالوتس
ان راهن على «الانتصار من الجو» فخسر رهانه في تموز 2006


الهدف الذي
حددته الحكومة هو أن نكون مستعدين لتقليص مدة القتال

ويركز الكاتب في تحقيقه على شرح وجهة نظر «الزرق»، في إشارة إلى ضباط سلاح الجو الذين يرتدون زيا عسكريا أزرق اللون.
ويكشف أن هذا السلاح يعمل في العامين الأخيرين بشكل أساسي على الإستعداد لتحقيق الهدف الذي صادق عليه رئيس الأركان ووزير الدفاع ورئيس الحكومة: «أن نكون مستعدين لتقليص مدة القتال الذي يمكن أن يندلع في أي لحظة».
وإذ يشير الكاتب إلى التسليم الإسرائيلي بأن الحرب القادمة ستكون «حرب نيران قوسية» ستنهمر في إطارها الصواريخ من «سوريا ولبنان وغزة أو إيران»، يوضح عددا من التحديات التي ستفرضها هذه الحرب. فهناك «عشرات آلاف الصواريخ التي يطلق بعضها من منصات متحركة وهي ذات مديات بعيدة وذات رأس حربي كبير ودقيق نسبيا». واستهداف هذه المنصات «يتطلب متابعة لصيقة» بغية كشفها، وإذا تم ذلك «فسيكون من الضروري أن تستهدفها طائرة مسلحة بسلاح دقيق عندما تكون في الميدان أو عندما يحاول سائقها الإختفاء بها تحت مبنى». كما أن هناك منصات، بحسب بن يشاي، مخفية داخل «منازل المدنيين، أو في أنفاق تحت الأرض ويتم تشغيلها عن بعد، ويتحرك مشغلوها بينها عبر الأنفاق، ويذخرونها من جديد، ويستهدفون قوات الجيش المتحركة باتجاههم».
وتبقى الصعوبة الأساسية كامنة في «التحديد الإستخباري» للمنصة ـــ الهدف، إضافة إلى أن الطيارين سيضطرون إلى العمل في وقت تتعرض فيه قواعدهم للصواريخ، فضلا عن إمكان تعرض طائراتهم «لصواريخ مضادة للطائرات من إنتاج روسي، يمكن أن تكون وصلت إلى حزب الله، أو صواريخ محمولة على الكتف وصلت إلى غزة».
وفي مواجهة كل هذه التحديات، يشير بن يشاي إلى بعض التحديثات التي شهدها سلاح الجو في العامين الأخيرين، وعلى رأسها مضاعقة «طاقة القصف» للمنظومة القتالية بما يشمل: عدد الطلعات، وبشكل أساسي عدد الأهداف التي ستهاجم والأضرار التي ستترتب عليها. وفي إطار ذلك، يتحدث الكاتب عن توسيع «جوهري» لبنك الأهداف التي يمكن قصفها عند العدو مقارنة مع ما كان الوضع عليه في «حرب لبنان الثانية». كما يكشف عن تطوير عمليات تسليح موجهة ودقيقة تمكّن كل مقاتلة حربية من قصف أكثر من عشرة أهداف بشكل متواز «من دون التنازل عن دقة الاصابة، والعدد وتنوع الاهداف». ومن بين التحديثات أيضاً تسريع عملية إعادة تذخير المقاتلة بعد هبوطها لتكون جاهزة للإغارة ثانية خلال ساعة «مثل الطاقم الذي يعيد تأهيل سيارة الفورمولا 1 خلال السباق».
وفي ما يؤشر إلى الخلفية المالية لما وصفه الكاتب بـ «الثورة الفعلية التي يقترحها سلاح الجو في النظرية القتالية للجيش الإسرائيلي»، ينقل عن ضباط سلاح الجو أن تصورهم للحرب بإمكانه ليس فقط أن يقلص عدد المصابين، وإنما أيضا «توفير الكثير من الموارد مع الأخذ في الاعتبار الكلفة الفلكية لكل يوم قتال، والتي تصل إلى مليار شيكل». ولا ينسى هؤلاء الضباط أن يبرزوا امتيازا آخر لسلاحهم في مقابل سلاح البر، وهو السرعة في رد الفعل: «فإذا هوجمنا بشكل مفاجئ، فإن عملية تجميع القوات البرية، والتعامل مع الهجمات التي ستتعرض مخازن الطوارئ وطرق المواصلات، ستأخذ وقتا. بموازاة ذلك ستكون هناك فرصة للقيام بالعمل عبر نيران الجو».
ولا يغفل الكاتب الإشارة في سياق التحقيق إلى أن نظرية الإنتصار من الجو كان سبق لرئيس الأركان السابق، دان حالوتس، أن نظّر لها عندما كان قائدا لسلاح الجو «وقد ثبت أنها غير صحيحة في حرب لبنان الثانية (2006)، ولذلك هي تثير الكثير من الشكوك اليوم».