كأنّ الطريقة التي رحلت بها الفنانة فايزة كمال (1962 ـ 2014) أوّل من أمس أتت مطابقة لشكل الحياة التي كانت لها. ماتت بهدوء وصمت وسط ضجيج الانتخابات الرئاسية المصرية المرتفع والمحيط بها. وهو ما يمثّل معادلاً لضجيج الحياة الفنيّة الذي كان يعتمل حولها ولم تكن تمنحه التفاتة واحدة. لقد اختارت شكل طريقها الفنيّ وانتهى الأمر.
كأنها قالت لمن كان يطلبها للعمل: هذه خريطة طريقي وعليكم الالتزام بها. لقد قلبت مقاليد اللعبة الفنية المتعارف عليها ليصبح المُخرج متلقياً لشروطها، لا العكس. لا دخل لجمالها الفاتن في الأمر، لم تكن تقدّمه كوسيلة ضغط، فهذا الجمال لن يُمسّ من قبل أحد في نهاية الأمر... ولا حتى مجرّد قبلة عابرة في ركن معتم في زاوية من عمل درامي. كان هذا العنصر جواز عبور مضموناً في الثمانينيات، وقت تسيّد المال الخليجي وفرض اعتماد الجسد ممرّاً سهلاً للظهور على الشاشة. الغريب أنّ فايزة كمال من مواليد الكويت. هناك عاشت مع والديها المصريين حتى بلغت الـ 22. درست في المعهد العالي للفنون المسرحية هناك، قبل أن تعود إلى وطنها الأم. انتقال في المكان مع ثبات على الموقف: لن يكون هذا الجسد معبراً للوصول وأداة للقبض على دور بطولة. هكذا رأت صاحبة «الطائرة المفقودة» (1984) وضعها في الفنّ من دون افتعال شعارات صاخبة أو استعراض أو ابتزاز من أجل نيل أكبر نصيب من الكعكة والمال. هي كانت تمتلك جمالاً يسمح لها بإجراء مزايدات في حضرة رأس مال خليجي مسعور يرغب في تصريفه بالشروط التي يقدر على فرضها، لكنه لم يكن يعلم أن «السلعة» قد سبقت بشروطها منذ بداية اللعبة.

يتوقع أن تجري
النقلة إلى mtv بعد شهر رمضان


لم يكن الأمر متعلّقاً بإشكاليات الدين أو العادات والتقاليد بالنسبة إلى الراحلة. لم يظهر هذا منها في أيّ شكل من الأشكال. كانت تنظر إلى الفنّ بطريقتها وبالطريقة التي تتواءم مع تكوينها النفسي المرتبط بالمناخ العائلي الذي كانت تقدّسه وتمنحه وقتاً طويلاً من حياتها. كان ذلك يفرض عليها أن تتوقّف لفترة طويلة عن العمل للاهتمام بولديها. وكان هذا الغياب مصدر شائعات عن اعتزالها الفن وارتداء الحجاب، وخصوصاً في التسعينيات، مع سيطرة المدّ السلفي الخليجي على الدراما المصرية المعتمدة مادياً عليه في الإنتاج. كما كانت الفترة شاهدة على ظاهرة إعلان فنانات كثيرات ارتداء الحجاب واعتزال الفن، وكانت في معظمها إعلانات يُعاد النظر فيها بعد وقت لأسباب مادية. لكنّ صاحبة «حبيبي الذي لا أعرفه» (1989) كانت تعود إلى الشاشة غير ملتفتة للغبار الذي ثار في غيابها.
قد يمنحنا هذا معبراً للحديث عن نظرة فايزة الخاصة إزاء الإفادة من جمالها فنياً بطريقة لا تشبه غيرها. هذا ما رأيناه حين جسّدت شخصية اليهودية يهوديت موردخاي في «رأفت الهجان» (1991_1990) وكانت سكرتيرة بطل العمل (محمود عبد العزيز) تمارس حبّاً من طرف واحد. يومها، أظهرت شبقاً فائضاً لا حاجة إلى عري ما كي يتمكّن من الحضور على الشاشة. الإيماءات التي كانت تفعلها بدت كافية، ولم تكن بحاجة إلى أكثر من ذلك كي يصل المعنى إلينا ونلمسه.