في شهر أيار 2005، وأثناء التحضير لقائمة المدعوين إلى «لقاء ديرالزور للمعارضين السوريين»، (وهو أكبر تجمع معارض من حيث التمثيل والعدد جرى في سورية منذ مؤتمر حمص عام 1953)، اقترح البعض اسم كمال اللبواني لدعوته إلى اللقاء. قام كاتب هذه السطور بنقل رواية نقلها لي أثناء جلسة في اللاذقية في بيت الدكتور يوسف سلمان الأستاذ حبيب صالح، الذي كان معتقلاً في سجن عدرا مع معتقلي أيلول 2001 العشرة ومنهم اللبواني، وأطلق سراحهما بعد اكمال ثلاث سنوات في أيلول 2004، عن أن اللبواني عندما سمع بقتل الإسرائيليين للشيخ أحمد ياسين في آذار 2004 كان تعليقه التالي: «قُتل الإرهابي».
عندها قام الجميع، ومنهم الدكتور أحمد طعمة (رئيس ما يسمى بـ«الحكومة الموقتة» للائتلاف السوري) والشيخ نواف البشير شيخ مشايخ البكارة الذي جرى اللقاء ببيته، بإلغاء دعوة اللبواني الذي قام في خريف 2005 بالذهاب إلى واشنطن ولقاء مسؤولين أميركيين. ومن واشنطن دعا إلى قصف العاصمة السورية بالطيران الأميركي قبل أن يستقل طائرته عائداً لدمشق حيث أودع السجن عند وصوله حتى خروجه منه في عام 2011.
في يوم 7 آذار 2014 كتب اللبواني مقالاً تحت عنوان «خطة للتوصل إلى حل اقليمي في سورية»، دعا فيه إلى «أن تساعد اسرائيل في تأمين فرض حظر جوي فعلي ولا يهم أن يعلن عن ذلك أم لا، تبدأ بمئة كيلومتر وتمتد بحسب التطورات... يمكن لاسرائيل تكرار تجربة جنوب لبنان لكن بنسخة ناجحة في جنوب سوريا حيث تلعب اسرائيل دوراً في حماية المدنيين ودعم الغالبية بدل لعب دور الاحتلال ودعم أقليات كما جرى في لبنان... إذا حصل هذا التعاون وبعد استقرار الأوضاع فإن من شأن ذلك أن يسهل عملية انجاز السلام بما يضمن انفتاحاً مجتمعياً مباشراً وتداخلاً سكانياً واقتصادياً وأمناً مشتركاً وتطبيعاً عملياً يسبق العمل السياسي الرسمي».
في مرحلة ما بعد سقوط بغداد يوم 9 نيسان 2003 حلم العديد من المعارضين السوريين بالقيام بدور أحمد الجلبي في دمشق. وقد قال لي أحد القادة الكبار لـ«اعلان دمشق» (تأسس في 16 تشرين أول 2005) بعد أسابيع من سقوط بغداد، في بيته: «الدبابة الأميركية التي تقف قرب البوكمال الآن هي في وضعية مثل توقف الباص القادم من حلب إلى دمشق في استراحة حمص». هذه «النزعة الجلبية» سيطرت على غالبية كبرى من المعارضين السوريين في فترة 2004 - 2007، وكان المرء يشعر بالعزلة عندما يقوم بالمقاومة الفكرية والسياسية والتنظيمية ضد هذه النزعة (كان كاتب هذه السطور أول من كتب ضد هذه النزعة لما كانت في حالة ارهاصات جنينية عند معارضين سوريين في مقال في صفحة القضايا في جريدة «السفير»، يوم 4 تشرين ثاني 2002، بعنوان «دعاة الديموقراطية العرب بين حدي الوطني والديموقراطي»، ثم وقف ضد رياض الترك منذ عودته من زيارته للقارتين الأوروبية والأميركية في خريف 2003. وتزامن ذلك مع طرحه لـ«نظرية الصفر الاستعماري» و«نظرية الرياح الغربية») وسط معارضين إما مؤيدين لتلك النزعة الجلبية أو ساكتين أو أغبياء لا يدرون ما يُفعل وما يقال أمامهم. بعد تقارب ساركوزي مع دمشق عام 2008، ومن ثم أوباما (2009 و2010)، راهن هؤلاء «الجلبيون» على انفتاح باريس وواشنطن على النظام السوري، آملين أنّ «تخدم جهود الولايات المتحدة لتحسين الروابط مع دمشق الاصلاح الديمقراطي» (تصريح لرياض الترك نشرته «رويترز»، يوم 31 أيار 2009) وكانت الأمانة العامة لـ«اعلان دمشق» قد أيدت زيارة ساركوزي لدمشق، وأعلنت في بيانها الصادر يوم 6 أيلول 2008 أنّ «اعلان دمشق... لم يكن في نهجه وليس من أهدافه تعزيز عزلة النظام ومحاصرته» في رقصة دورانية على ايقاع واشنطن وباريس ضد النظام في 2004 - 2007 وعلى ايقاع تقاربهما معه في أعوام 2008-2010. في خريف 2011 عادت هذه النزعة «الجلبية» لتستيقظ على خلفية صدام واشنطن وباريس من جديد مع السلطة السورية، وخصوصاً منذ 18 آب 2011 مع دعوة أوباما للرئيس السوري لـ«التنحي»، ثم أخذت زخماً كبيراً مع تحول كثير من الاسلاميين إلى نسخة عن «الجلبي وآل الحكيم» في فترة القطيعة التركية مع النظام السوري، إثر فشل زيارة أحمد داوود أوغلو لدمشق في الأسبوع الأول من آب 2011.
لم تستجب واشنطن وباريس لدعوة هؤلاء المعارضين السوريين من أجل تكرار نموذج «العراق 2003» و«ليبيا 2011»، وبعضهم أصيب بصدمة كبرى لما خيّبت واشنطن أملهم ولم تضرب دمشق في فترة «أزمة الكيماوي» (21 آب - 14 أيلول 2013)، بعد أن تحولوا إلى أدلاء تلفزيونيين، وبالتأكيد بتفصيلات أكبر في الغرف المغلقة، لتحديد المواقع العسكرية السورية أمام الضربة التي أعلن أوباما عزمه القيام بها. منذ القرار 2118 في 27 أيلول 2013 الذي ربط بين «الكيماوي» و«جنيف1» و«جنيف 2» كان واضحاً أنّ «الجلبيين السوريين» قد أصيبوا بخيبة أمل كبرى من واشنطن وصلت حدود اليأس.
يبدو أن كمال اللبواني، الذي كان الأكثر «جلبية» منذ 2005 وصراحة فيما الآخرون موهوا جلبيتهم بكثير من الفهلوية السورية المفتقدة عند العراقيين واللبيين، قد بدأ منذ مقاله المذكور في 7 آذار 2014 بتأسيس ما يمكن أن يسمى بـ«نزعة سعد حدادية - لحدية» عند معارضين سوريين، وأنه «قلْب الهجوم» أو «سلاح الهندسة». منذ شهرين ونصف الشهر على مقال اللبواني المذكور لم يحتج أحد من المعارضين السوريين في «الائتلاف» و«المجلس» و«اعلان دمشق» على ما تفوّه به هذا الشخص، وكان قبول استقالته من قبل «الهيئة العامة للائتلاف» في نيسان 2014 على خلفية احتجاجه ضد قيادة «الائتلاف» على اشتراكها في «جنيف2»، ولم يأت كرد فعل على مقاله المذكور. وقد مارس كثير من المعارضين السوريين في سكوتهم على اللبواني دور «الشيطان الأخرس» وفي وضعية هي أقرب إلى «السكوت الراضي».
في مرحلة ما بعد تحرير باريس من الألمان في آب 1944، عاد الجنرال ديغول من لندن ليتولى رئاسة الحكومة الفرنسية الموقتة وقد قام باعتقال الماريشال بيتان الذي أقام «حكومة فيشي»، التي تعاونت مع الألمان في مرحلة الاحتلال منذ حزيران1940، عندما سأل أحد الصحافيين الجنرال ديغول محتجاً على اعتقال بيتان (بطل معركة فردان ضد الألمان في الحرب العالمية الأولى) أجابه ديغول بالعبارة التالية: «الخيانة ليست وجهة نظر».
* كاتب سوري
4 تعليق
التعليقات
-
بمنتهى الصراحة ..دائما وأبدا كنت أردد أنّه لايجب أن يكون هناك سجين رأي ودائما وأبدا أنظر لهذا الموضوع بأنه خطأ فادح ترتكبه الدولة واليوم ..... أرى أنه من الخطأ الإفراج عن شخص كاللبواني وعن أي شخص يقبل بفكرة التعاطي مع إسرائيل المحتلّة لأراض عربيّة أو شخص يقبل التعامل مع الأمريكي ضدّ وطنه كائنا ماكانت صيغة التعاون تلك كإعطاء أهداف لقصفها ( وكأن أمريكا أصلا بحاجة لإحداثيّاتهم ولاتعلم عنها شيئا لولا خدماتهم القذرة تلك ..! ) وبمنتهى الصراحة أكون سعيدة جدا لو يسجن أي شخص مثل هؤلاء ومدى الحياة لأيّ طرف انتمى فالخيانة لم ولن تكون يوما وجهة نظر والخائن لا يجب أن يستحق الحياة ،، أثبتت الأزمة السوريّة أن هناك أشخاص مكانهم الطبيعي هو وراء القضبان ولتذهب حريّة الرأي إلى الجحيم ومن بلا كرامة ولا شرف ويرى في المحتلّ صديقا فلا أسف على حياته ولا حريته مطلقا .
-
شخصية المعارضين السوريينان الشخصية العامة للمعارضين السوريين تتغير حسب الهوى الغربي الذي يرعاهم فقط وليس المبدأ الذي يوهمون الجماهير يأنهم يعتقدونه , وهذا طبعا ليس سرا , لكن السر الأخطر هو تصديق بعض الشعب السوري لهم واحتضان هذه الافكار المشوهه والنظريات المختلفة التي ترمي للوصول الى سدة الحكم فقط والكرسي هو المسألة الحاسمة في كل هذه الصورة التي يرسموها ان كان كذلك فيجب علينا كشعب سوري يحترم وطنيته وأرضه وتاريخه أن يعاود النظر في كثير من الامور وأن نرفع رؤوسنا قليلا لنرى الحقيقة أمامنا, وهذا لايعبر بالضرورة عن موقف تأييد أو معارضة ولكن الوطن وسلامته فوق كل شئ (والعراق وليبيا ) أكبر مثال على ذلك .
-
اللي اختشوا ماتوا!أسوأ معارضة (حتى لا أقول كلمة أكبر) في التاريخ هي المعارضات السورية، بشهادة السوريين أنفسهم! ما العمل في دولنا العربية؟ تأتي سلطة سياسية، يتم الانقلاب عليها بسلطة عسكرية، تليها ثورة دينية، ثم تأتي سلطة ليبرالية، فنيوليبرالية، فديكتاتورية، ثم كهنوتية دينية، ثم داعشية جاهلية من جبال الواق واق ... ثم يتكرر كل ذلك من الأول، عود على بدء، ولا من يتعظ ولا من يتعلّم الدرس ... لبنان الحلو المختلط تم فرزه إلى كنتونات، العراق القوي والصلب صار يوزع طائفية على العالم بأجمعه، سوريا بلد الاندماج والمساواة التامة بين الجميع تم طرد سكانها واستبدالهم بكائنات وحشية ذات أصل بشري ... ولكن دائماً هناك طغمة معينة تلبس أحدث الملابس وتتعطر بأفخم العطور وتتحدث اللغات الأجنبية بطلاقة ومدعومة من كل أعداء الإنسانية، تأتي وتتحدث باسم حقوقها في السلطة. .. حقوق إيه اللي انت جاي تقول عليه يا خائن ؟! صدق ديغول، الخيانة ليست وجهة نظر. و كل قرطة المعارضات السورية بمجملها، باستثناء هيثم مناع، كلهم خونة قشة لفة
-
تصويباختلف مع الكاتب المعارضة السورية اكثر وقاحة ورخصا وانكشافا وعريا فى العمالة والخيانةمن المعارضة العراقية والليبيةوحتى من 14 اذار فهى الان تتربع على القمة لذلك يجب ان يكون رموزها الجربا مثلا هو المعيار والمرجع بين امثاله