وسط حالة الطوارئ والذعر من الانتحاريين التي تُرخي بظلالها على البلاد، تمكنت الأجهزة الأمنية من توجيه ضربات متتالية للخلايا الإرهابية النائمة، التي يتضح أنها تلقّت «أمر عمليات» بوجوب التwحرّك لبنانياً لضرب أهداف مختلفة لإشعال الساحة. وبعد «مصادفة» توزّع الخلايا المكتشفة على ثلاثة أجهزة أمنية (خلية نابليون ــــ فرع المعلومات، خلية دو روي ـــ الأمن العام، وخليتا فنيدق والقلمون ــــ استخبارات الجيش)، دخلت الأجهزة الأمنية في دوّامة الشائعات.
إذ بدأت ترد إلى خطوط هاتف الطوارئ في الأمن العام وقوى الأمن مئات البلاغات عن مشتبه فيهم أو حالات أمنية مفترضة، تتسبب بحالة إرباك قد تؤدي إلى تشتيت الانتباه عن المتورطين الحقيقيين. كذلك بدأت المديرية العامة للأمن العام في اتخاذ إجراءات استثنائية في ضوء ملاحقة الخلايا الإرهابية. وانطلاقاً من هذه الغاية، رفض الأمن العام منح إذن بدخول لبنان لأكثر من 60 شخصاً وصلوا إلى مطار بيروت، وهم من جنسيات عربية وأوروبية. ويجري ذلك استناداً إلى السلطة الاستنسابية الممنوحة للأمن العام برفض استقبال أي شخص لمجرّد الشك، علماً بأن ضباط وعناصر المديرية في الداخل اللبناني يُجرون عملية مسح دقيق لنحو أربعة آلاف أجنبي دخلوا إلى لبنان أخيراً، للتثبت من عدم علاقتهم بأي جهة مشتبه فيها أو ضلوعهم بأنشطة إرهابية. فالمعلومات التي وردت على دفعات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، من أجهزة استخبارات أوروبية وأميركية، تجعل مجموع الانتحاريين المفترضين الذين دخلوا لبنان على مدى الشهرين الماضيين، يصل إلى نحو 20 انتحارياً (يرجح أمنيون أن منفذي التفجيرات الثلاثة الأخيرة والمعتقلين الاثنين أخيراً من بينهم)، متعددي الانتماءات «الجهادية». وتبيّن أن موقوف فندق «دو روي» قال خلال التحقيق معه إن أميره أرسله مع زميله الذي فجّر نفسه إلى لبنان لاستهداف مركز الأمن العام في منطقة المتحف، انتقاماً لتوقيف الأردني عبد الملك عبد السلام (المعروف بذئب القاعدة، أوقفه الأمن العام مع الشاب الطرابلسي شادي المولوي ورجل قطري أطلق سراحه وسلّم الى سلطات بلاده). وأضاف الموقوف إن المنذر الحسن عاد وأبلغهما بهدف جديد، هو مطعم الساحة، بعد وصولهما إلى بيروت.


«خلية القلمون»
كانت ستنفذ تفجيرات في مراكز يؤدي استهدافها إلى فتنة طائفية

وفي سياق آخر، دهم الأمن العام أول من أمس فندقاً في منطقة الصيفي بعد إبلاغ إدارة الفندق عن وجود أردني لا يتجاوز العشرين من العمر مشتبه فيه بأنه انتحاري يحمل جهازاً مجهول النوع في جيبه، يطلب إيصاله إلى «مطعم الساحة» لتحقيق حلمه. وبناءً على هذه المواصفات التي تتطابق مع مواصفات الانتحاريين السابقين، نفذ عناصر الأمن العام عملية تمكنوا بموجبها من توقيف الشاب الأردني (مواليد ١٩٩٦) الذي تبيّن أنه يحمل مبلغاً لا يتجاوز الثلاثين دولاراً وتذكرة سفره خط واحد من دون عودة. أما هاتفه الخلوي، فتبيّن أنه لا يحمل شريحة هاتف أو ربما قد ابتلعه. ولم يُعثر في حوزته على متفجرات أو غيرها. ولدى التحقيق معه، أجاب بأنّه قدِم إلى لبنان بقصد السياحة. ولا يزال التحقيق جارياً معه ليُصار إلى ترحيله إذا ثبت عدم ارتباطه بأي مجموعة إرهابية.
على صعيد آخر، استمرت استخبارات الجيش بالتحقيق مع الموقوف م. زهرمان، المعروف بـ«أبو عبيدة»، الذي أوقف في فنيدق، وهو مطلوب بجرائم إرهاب عديدة. وكانت استخبارات الجيش قد أوقفت قبل أيام مشتبهاً فيه آخر يحمل اللقب نفسه، قبل أن يتبيّن أنه ليس بأهمية الموقوف الأخير ذاتها. عملية الرصد والمتابعة جرت بعد تلقي الجيش معلومة تفيد بأن لـ«أبو عبيدة» شقيقاً يدعى «هيثم». استناداً إلى هذا المعطى، بدأت استخبارات الجيش تبحث عن ضالّتها عبر اسم شقيقه. وفي بلدة فنيدق، جُردت العائلات بحثاً عن تطابق اسمي قد يُرشدهم إلى ضالّتهم، علماً بأن المشتبه فيه مطلوب بـ«جرم الانتماء إلى تنظيم إرهابي ومتّهم بالمشاركة بعمليات أمنية وتجنيد إرهابيين». وبالفعل، تمكن عناصر الاستخبارات من الوصول إلى المطلوب الأبرز وتوقيفه، ليتبيّن أنه ضالع في بعض العمليات الإرهابية الأخيرة. إذ تذكر المصادر الأمنية أن زهرمان شريك للمطلوب المنذر الحسن، المشتبه فيه بتوزيع الأحزمة الناسفة على انتحاريي الروشة، ويتولى الاثنان الدور الرئيسي في تشغيل مجموعات متشددة تسعى إلى تنفيذ عمليات أمنية ضد أهداف متعددة. وأشارت المعلومات إلى أن الموقوف «أبو عبيدة»، وهو ثلاثيني، لم تكن هويته معروفة قبل توقيفه، كان مقرّباً من إمام مسجد التقوى الشيخ سالم الرافعي.
وفي ضوء توقيف «أبو عبيدة زهرمان»، تمكن عناصر استخبارات الجيش من توقيف م. خالد وع. كنعان في بلدة فنيدق، بعدما تبين أنهما مرتبطان بالمطلوبين زهرمان والحسن. ولم تُحدّد بعد الجهة التنظيمية التي يرتبط بها الموقوفان، سواء «كتائب عبد الله عزام» أو «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، رغم ترجيح الأخيرة. وذكرت المصادر الأمنية أن «أبو عبيدة» كان يُشغّل كلاً من خالد وكنعان في صنع العبوات وإعداد الأحزمة الناسفة، كاشفة أنه بحسب الاعترافات فإن آخر طلبية أحزمة أعدّاها تلك التي جرى إيصالها إلى السعوديين الانتحاريين في فندق «دو روي». وقد تمكن الجيش من ضبط عبوات ناسفة جاهزة وأحزمة وكرات حديدية داخل إحدى المغاور في فنيدق، التي حدّد مكانها كنعان في اعترافاته، كاشفاً أنها كانت تستخدم للتفخيخ والتجهيز.
وقد صدر بيان عن مديرية التوجيه في الجيش، أوضح أنه عُثر في داخل المغارة على «عبوات جاهزة للتفجير، وأسلحة وأقراص مدمجة وعدة شرائح خطوط وأجهزة خلوية، بالإضافة إلى وثائق وكتب تتضمن دروساً في تصنيع المتفجرات».
وتحدثت المصادر عن أن الاستخبارات كانت ترصد الحسن في مخيم البداوي، الذي وصل إليه بواسطة إحدى السيارتين اللتين جرى تعميم مواصفاتهما، لكنّه لم يلبث أن توارى عن الأنظار بعدها. وترجّح المصادر الأمنية أن يكون الحسن قد غادر على متن دراجة نارية في اتجاه عكّار. أما خالد، فاعترف خلال التحقيق بأنهما كانا يحضران المتفجرات من قطعة أرض في فنيدق تعود ملكيتها له. وقد عثرت الأجهزة الأمنية على قذائف هاون ورمانات يدوية ومتفجرات مطمورة فيها.
أما في ما يتعلق بـ«خلية القلمون» التي كانت تعدّ لاغتيال مدير مركز الأمن العام في طرابلس المقدم خطار ناصر الدين، علماً بأنها غير مرتبطة بـ«خلية فنيدق»، فقد كشفت اعترافات الموقوفين الخمسة أنهم كانوا أيضاً إلى جانب عملية الاغتيال، بصدد تنفيذ تفجيرات إرهابية، لا يُنفّذها انتحاريون، إنما تتم عبر زرع عبوات ناسفة في مراكز في بيروت والبقاع يؤدي استهدافها إلى «إحداث فتنة بين السنّة والشيعة»، بحسب مسؤولين أمنيين. وأشارت المعلومات الأمنية إلى أن الموقوفين لا يؤلفون كامل الخلية الإرهابية، كاشفة عن فرار باقي أفراد الخلية إلى جهة مجهولة. وتبيّن، بحسب مسؤولين أمنيين أن خلية القلمون كانت مرتبطة بالمشغّل البارز في كتائب عبد الله عزام بلال كايد، الذي أوقفته استخبارات الجيش قبل نحو شهرين. ورغم أن كايد خضع للتحقيق لدى كل من استخبارات الجيش وفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، إلا أنه لم يأت على ذكر خلية القلمون. وبعد توقيف أفراد الخلية، أعيد التحقيق مع كايد. وقال مسؤول أمني بارز إن كايد أحد أبرز الموقوفين في الآونة الأخيرة، وكان مقرّباً جداً من أمير كتائب عبد الله عزام السابق السعودي ماجد الماجد.




300 مليار ليرة ضائعة!

تبيّن أن إثارة قضية فرض تأشيرات دخول على رعايا عدد من الدول تعود إلى شهر نيسان الماضي، عندما بعثت المديرية العامة للامن العام دراسة إلى السلطة السياسية، مقترحة فرض الحصول على تأشيرة للراغبين بدخول لبنان، طبقاً لمبدأ المعاملة بالمثل. ولفتت الدراسة إلى ضرورة فرض الحصول على تأشيرات على رعايا كل الدول التي تفرض على اللبنانيين الحصول على تأشيرة لدخولها. وأشار الامن العام إلى ان دواعي هذا الإجراء امنية بالدرجة الاولى، ومالية بالدرجة الثانية. فبحسب الدراسة، فوّت لبنان على نفسه مبلغ 300 مليار ليرة كان سيدخل الخزينة كبدل تأشيرات خلال ست سنوات بسبب إعفاء مواطني عدد كبير من الدول من التأشيرات المسبقة.