اعتقد كثيرون أن التقرير الذي بثته قناة lbci الثلاثاء الماضي في نشرة الأخبار المسائية عن الخلل الديموغرافي بين المسيحيين والمسلمين بناءّ على دراسة أجراها مدير عام «ستاتستكس ليبانون» ربيع الهبر، سيكون الأخير حول هذا الموضوع. لكن سرعان ما تبيّن في اليوم التالي (أيّ الأربعاء الماضي)، أن القناة نفسها خصّصت حلقة من برنامج «نهاركم سعيد» (قدّمته ندى أندراوس) للحديث عن عدم التوازن الديموغرافي، بالإضافة إلى طرح قضية النازحين السوريين وبيع الأراضي.
لم يتمّ إختراع البارود في الكشف عن خلل ديموغرافي بين الطائفتين، وربما يشفع لتحريك هذا الموضوع هو طرحه في مؤتمر «أرضي هويتي» الذي إنعقد قبل أيام بدعوة من «الرابطة المارونية» للحديث عن خطر بيع الأراضي للأجانب، عدا تناول قضية التبدّل الديموغرافي.
إذاً، الحدث هنا موجود، ومعلّل لإجتزاء قضية منه، والإضاءة عليها في تقرير إخباري. لكن غير المفهوم هو حلقة «نهاركم سعيد» التي أرادت الخروج من السياسة والأوضاع المحيطة، كما قالت أندراوس والإضاءة على «هموم اللبنانيين». لكن في المحصلة، كانت حلقة مُخزية فعلاً. وهي ليست المرة الأولى التي يحصل فيها هذا الأمر. الحديث عن اللجوء السوري وتداعياته ليس ممنوعاً، لكن المشكلة كانت في المقاربة من خلال استضافة ربيع الهبر، وأمين عام «الرابطة المارونية» فارس أبي نصر. بَنت أندراوس مقدّمة برنامجها على خبر كاذب أخطأت في إيراده صحيفة «اللواء» ونشرته الأربعاء الماضي. إذ نقلت عن لسان وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس تأكيده بتلقيه تقريراً يفيد بتوطين حوالي 100 ألف لاجىء سوري. هذا الأمر نفاه درباس في برنامج «نهاركم سعيد» وببيان رسمي لاحقاً. لكنّ lbci تقاعست عن واجبها المهني في التأكّد من الخبر قبل البناء عليه لمطوّلات وأوهام «كإيجاد أرض بديلة للبنانيين بعد أن يُصبح عدد النازحين السوريين مساوياً لعدد سكان لبنان».
قضية اللجوء السوري مضافاً إليها قضية بيع الأراضي والتغيير الديموغرافي، هذه العناوين إن جمعت فتشكّل بالتأكيد قنبلة من الهلع والتخويف، فما بالكم إن بني البعض منها على فرضية كاذبة؟. بيع الأراضي وتهجير المسيحيين «مخطط مدرس للبنان منذ سنوات (...) يهدف الى إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط» كما قال أبي نصر. وأقرّ بأن الدستور اللبناني يُتيح عمليات البيع والشراء بحرية، لكنه أشار إلى أنّ عمليات البيع تتمّ «بشكل مشبوه جداً بملايين الأمتار» لتكريس «لون واحد من المكوّن اللبناني»!. ثم وصل الحديث إلى قانون التجنيس (1994) الذي سبّب هذا الخلل بين الطوائف. هنا، اقترحت اندراوس ترحيل اللاجئين السوريين إلى البحرين (تسعى إلى التجنيس) وسألت باستهجان «أم أن المطلوب هو تغيير هوية لبنان؟». ربما الفقرة الأكثر استغراباً تتمثل في الأرقام التي تلاها الهبر عن استهلاك السوريين للكهرباء (200 ميغاوات) وللماء (97 مليون ليتر يومياً) وللخبز (5 ملايين و400 الف رغيف يومياً). بقي فقط أن يعدّ كميات الأوكسجين التي تدخل صدورهم. عادة مزمنة في رمي كل مصائب اللبنانيين على الغير، وهذه المرة أتى دور الشماعة السورية.