منذ عودة الرئيس سعد الحريري إلى لبنان، تركّزت الأسئلة على الأسباب التي دفعت رئيس تيار المستقبل إلى اتخاذ هذا القرار، وفي مثل هذا التوقيت بالذات. ومع التأكيد المتكرر على لسانه ولسان المقربين منه، أن «الأخطار الأمنية المحيطة بالبلد، التي كشفت عن حجمها أحداث منطقة عرسال كانت سبباً رئيسياً لمجيئه، إضافة إلى دعم الجيش اللبناني في معركته مع الإرهاب»، كشف نواب في المستقبل عقدوا لقاءات مغلقة مع الحريري في اليومين الماضيين، عن «مهمّة سياسية يقوم بها الرئيس الحريري، وتكاد تكون أهمّ من هبة المليار دولار ودعم المؤسسة العسكرية».
لدى نواب «المستقبل» ارتياح واضح لعودة الحريري في هذه الظروف، التي يُمكن وصفها بالقاسية بالنسبة إلى تيارهم على كافة الصعد، كتلةً وشارعاً ومؤسسات. ارتياح يتخوف النواب من أن لا يدوم إن قرر رئيسهم المغادرة من جديد، خصوصاً أن «أحداً منهم لا يعلم إن كانت هذه العودة دائمة أو محصورة بمهلة محدّدة»، كما يقول أحد النواب، ممازحاً بقوله إن «الرئيس نبيه برّي، على غير عادته، حدّد نهار الثلاثاء (اليوم) موعداً لجلسة انتخاب رئيس للجمهورية بدلاً من يوم الأربعاء، تخوفاً من هروب الرئيس الحريري».
وبعيداً من الاسترسال في الحديث «العاطفي»، عمّا أحدثته عودة الحريري إلى البلاد، وانعكاسه على شعور نواب الكتلة كما كل المستقبليين، ثمة ما لاحظه هؤلاء في جلساتهم الخاصة مع زعيمهم. يقول أحد النواب «إنه (الحريري) أثار نوعاً من الاستغراب أو الحيرة عندنا»، تحديداً في ما يتعلّق بموضوع حزب الله ورئيس تكتّل التغيير والإصلاح ميشال عون. يذكرون على سبيل المثال ما علّق به النائب غازي يوسف في اجتماع فريق الرابع عشر من آذار، متوجهاً إلى الحريري بالقول: «على أي تذكرة سفر رجعت؟»، تعليق «رفض الحريري الردّ عليه في محاولة لقطع الطريق على أي جملة تتناول النائب عون بنحو سيئ، ولمنع أي من الشخصيات الحاضرة من وصف جنرال الرابية بكلمات غير لائقة».

مهمّة سياسية
يقوم بها الحريري
تكاد تكون أهمّ من
هبة المليار دولار


وحتى اليوم، لا يفهم المستقبليون طبيعة العلاقة التي تربط زعيمهم بعون، ولا حتى مدى عمقها، على الرغم من أنها لم تُحقق أي تفصيل صغير ممّا كان متوقعاً. لكن «لعون عند الرئيس الحريري معزّة خاصة واحترام كبير، وإن كان لا يزال الاختلاف في السياسة كبيراً، وفرص وصول عون إلى بعبدا صغيرة». لكن الحريري في حديثه أمام نوابه عن الاستحقاق الرئاسي «ابتعد عمّا كان كثيرون في الكتلة ينتظرون إعلانه على لسانه، وهو رفض التصويت لعون في مجلس النواب». واكتفى رئيس تيار المستقبل بالقول: «لسنا طرفاً مؤثراً في هذا الاستحقاق، بل مساعد، ولا نضع فيتو على أحد، مهمتنا تأمين النصاب، وإذا فاز عون فمبروك عليه رئاسة الجمهورية»، ملمّحاً إلى «أهمية التواصل بين التيارين والحفاظ على العلاقة بينهما». كذلك تحدث الحريري عن كل المرشحين الرئاسيين «بموضوعية من دون توجيه انتقاد إلى أي منهم»، كما يؤكّد أحد النواب البارزين في الكتلة، الذي لمس كما زملاؤه أن «كلامه في كل لقاءاتنا معه كان موزوناً وهادئاً ومدروساً، يدعو إلى التوافق». هذا الجو ترجمه النواب بأن «لعودة الحريري إلى لبنان شقّاً سياسياً لم يُعلَن بعد»، وباتوا شبه مقتنعين بأن «لهذه العودة ارتباطاً بالملف الرئاسي، وأنه بالإضافة إلى المهمة المعلنة التي تتعلق بدعم الجيش ومحاربة التطرف، مهمّة سياسية توافقية ستتوضح معالمها في الأيام المقبلة، لا يعني ذلك أننا نتوجه إلى دعم عون للرئاسة، بل هناك بوادر حلحلة».
وليست العلاقة مع عون ولا «الضعف الحريري تجاهه» كما وصفه أحد النواب «المعتدلين» في التيار، وحدهما ما لفت انتباه المستقبليين، بل «في حديث الحريري أيضاً عن حزب الله وإيران». يقول النائب إن «الهدوء الذي تحدّث به الحريري عن النائب عون، انسحب أيضاً على كلامه عن حزب الله». طبعاً «لا يزال الموقف من قتال حزب الله في سوريا على حاله، لكننا لمسنا بأنه كان يحاول إقناع نوابه، ولا سيما الذين ذهبوا بعيداً في حربهم الإعلامية مع الحزب، بأن الانفتاح عليه أمرٌ لا بدّ منه، انطلاقاً من أننا تيار معتدل، وأننا معنيون في إطفاء نار الفتنة الحاضرة في شارعنا كما في شارعه». الموقف السعودي الوحيد الذي حمله الحريري لنوابه كما باقي القوى السياسية هو «دعم الجيش». رغم ذلك، يضع نواب المستقبل ما سمعوه من رئيسهم في خانة «توافق إيراني ـــ سعودي على لبنان سينعكس على مختلف الملفات الداخلية». لم يقل الحريري لنوابه أي معلومة تجزم تحليلهم هذا، لكن الإشارات التي حرص على إطلاقها خلال كل اجتماعاته بهم تشي بذلك، على حد قول أكثر من نائب في الكتلة.