تونس | أعادت قضية السيارتين المهداتين من دولة الإمارات العربية المتحدة الى رئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي الجدل من جديد حول التمويل الخارجي للأحزاب التونسية وصراع النفوذ بين الدول على حسم التوازنات في المشهد السياسي التونسي منذ سقوط النظام السابق.
فبعد تسريب وثيقة من الجمارك التونسية تفيد بتسلم السبسي هدية من الإمارات تتمثل بسيارتين من النوع الفاخر مجهزتين بأحدث تقنيات الحماية، سارعت الصفحات التابعة والقريبة من حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية وحركة النهضة وأحزاب قومية ويسارية إلى التنديد بهذه الهدية واعتبرتها هدية سياسية تكشف عن حجم التدخل الخارجي في الشأن التونسي، وطالب بعض القياديين في حزب المؤتمر من أجل الجمهورية؛ منهم المستشار السابق للرئيس للمرزوقي، سمير بن عمر، بمحاكمة السبسي، فيما طالب الناشط المستقل والخبير الاقتصادي سامي الرمادي بفتح ملفات الهبات الخارجية لكل الأحزاب والجمعيات والمنظمات الناشطة في تونس.
أما حزب نداء تونس، فقد أكد في بيان أن الهدية وصلت بصفة شخصية إلى رئيسه لحمايته من مخاطر الاغتيال التي سبق وحذرته منها وزارة الداخلية. وكشف المدير التنفيذي للحزب والممثل القانوني للباجي قائد السبسي، المحامي رضا بالحاج، عن مراسلة وجّهها إلى رئيس الحكومة مهدي جمعة بتاريخ ٢ آب يعلمه فيها بوصول السيارتين، قبل أن يتم تسريب الوثيقة من أحد أعوان الجمارك. كما أعلن النائب عن الحزب في المجلس الوطني التأسيسي، عبد العزيز القطي أنه تم تسجيل السيارتين باسم وزارة الداخلية، على أن تكونا على ذمة الحزب.
هذه الهدية فتحت الباب من جديد للخوف في الشارع التونسي من «لبننة» تونس، إذ إن ضعف الدولة وارتباك الحكومة ووجود سلطة بثلاثة رؤوس: الرئاسة والمجلس والحكومة، سمحت لبعض الدول العربية وغير العربية بالتدخل بأشكال مختلفة في الشأن التونسي، وقد اعتبر عدد من المحللين أن ما حدث يكشف عن ضياع السيادة التونسية. ورغم أن نشطاء حركة النهضة وحزب المؤتمر يقودون الحملة على حزب نداء تونس، إلا أن هذه الحملة كان لها مفعول عكسي، إذ قررت الحكومة فتح ملف التمويل الخارجي لكل الأحزاب والجمعيات. وفي حال المحاسبة قبل الانتخابات، ستكون «النهضة» و«حزب المؤتمر» من أكثر الأحزاب التي استفادت من المساعدات، القطرية تحديداً، عرضةً للمساءلة القانونية.
هذا الجدل حول الصراع الخليجي في تونس سيتواصل أكثر وأكثر مع قرب الانتخابات، إذ يهدد بعض الناشطين في جمعيات تعنى بشفافية الانتخابات بكشف وثائق عن تمويلات أجنبية، وتحديداً من قطر وليبيا، لحزبي النهضة والمؤتمر. وقد تم حتى الآن إيقاف أكثر من عشر جمعيات «خيرية» ثبت تورطها في تمويل الإرهاب وحصولها على مبالغ مالية متفاوتة من منظمات خليجية وخاصة قطرية.
المال السياسي هو ما يخيف التونسيين اليوم، فهو الذي يقف وراء الإعلام، وهو الذي سيقف وراء تحويل وجهة الناخبين وشراء الأصوات، وبالتالي السطو على إرادة الناخبين وتزويرها. ورغم أن القانون التونسي يجرم الحصول على هبات مالية أو عينية من الخارج بالنسبة للأحزاب والمنظمات والجمعيات، إلا أنه غير مطبق حتى الآن، رغم دعوات الجبهة الشعبية (ائتلاف أحزاب اليسار) لتطبيقه. وتعتبر الجبهة الشعبية أكثر المتضررين من المال السياسي، إذ إن الجهات الخارجية التي تملك المال وخاصة الخليجية لا يمكن أن تراهن عليها، وبالتالي ليس لها ما تمنحه للناخبين.
وكانت كتلة حركة النهضة قد حرصت في المجلس الوطني التأسيسي على تعطيل قانون يتيح للحكومة الاطلاع على الأسرار البنكية للأشخاص والأحزاب. واعتبرت القوى الديموقراطية أن رفض كتلة النهضة لهذا القانون وإسقاطه دليل على تورطها في التمويل الخارجي، وخاصة أنها لم تقدم في مؤتمرها الأخير في العام ٢٠١٢ التقرير المالي كأي حزب آخر أو منظمة تعمل في العلن، وهو ما يفاقم شبهة التمويل الخارجي والإمكانيات المالية الكبيرة التي تملكها.