تتزايد الشكوى من وجود مصانع مستحدثة في لبنان يملكها سوريون من دون تراخيص، وأن هذه المصانع بدأت تحصل على عقود توريد مع مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، ما يمثّل عاملاً أساسياً في المنافسة بينها وبين المصانع المرخصة، وخصوصاً أن المصانع السورية ترتكز على عمالة سورية بأجور أقل من العمالة اللبنانية، وليس لديها علامات تجارية تدفعها إلى زيادة أسعارها بنسبة تصل إلى 25% من كلفة كل منتج.
في الواقع، أنفقت الأمم المتحدة بواسطة مفوضية الأمم المتحدة للاجئين وشركاء محليين تابعين لها أكثر من 1426 مليون دولار على النازحين السوريين في لبنان. من أصل هذا المبلغ، هناك 526 مليون دولار أنفقت خلال عام 2014، مقارنة مع 900 مليون دولار أنفقت بين مطلع 2011 ونهاية 2013. هذا يعني أن وتيرة إنفاق المبالغ تزداد بصورة مطّردة بالتزامن مع ارتفاع وتيرة أعداد النازحين المسجلين لدى المفوضية. وبما أن اقتصاد لبنان يتحمّل تداعيات وجود هذا العدد من النازحين على أراضيه، اتفق على أن يكون للمؤسسات اللبنانية الأفضلية عند شراء حاجات النازحين من قبل الأمم المتحدة. وهذه الأفضلية تشبه إلى حدّ بعيد الأفضلية المعطاة للمؤسسات اللبنانية لدى مشاركتها في مناقصات رسمية أيضاً.

هذه المؤسسات أصبحت جزءاً من الاقتصاد اللبناني ويجب أن تكون نظامية


وعلى هذا الأساس، جرى أكثر من لقاء بين جمعية الصناعيين اللبنانيين وأجهزة الأمم المتحدة المعنية بهذا الأمر، وعقدت اجتماعات تفصيلية لإطلاع المؤسسات اللبنانية على شروط الاشتراك في المناقصات الأممية والمواصفات التي تطلبها للمنتجات، واتفق على أن تكون الأولوية في المشتريات للمصانع المحلية.
وفي الحصيلة، تبيّن لدى عدد من الصناعيين اللبنانيين أن هناك سلعاً تطلبها الأمم المتحدة وهي تنتج في لبنان، لكنها تحصل عليها من السوق المحلية رغم كونها بضاعة غير منتجة محلياً. بعض الصناعيين يؤكدون أن هذه المصانع هي سورية الأصل، وانتقلت من سوريا إلى لبنان، ثم فتحت أبواب الإنتاج من دون الحصول على تراخيص. غير أن صناعيين آخرين يؤكدون أن توريد المنتجات والسلع التي تطلبها الأمم المتحدة يجري من خلال تجار لبنانيين، وهؤلاء هم الذين يشترون الكميات اللازمة لهم من مصانع سورية؛ بعضها يعمل في لبنان وبعضها الآخر يعمل في الخارج.
ويشير مطلعون إلى أن هذه الطرق الالتفافية للتجار اللبنانيين ظهرت أيضاً بوضوح لدى مشاركة المصانع المحلية في مناقصات شراء تجهيزات ولوازم مختلفة لزوم بعض المؤسسات الرسمية في لبنان. فقد تبيّن أن التجار يفوزون بالعقود من خلال قدرتهم على خفض الأسعار أقل من المصانع المحلية، لكنهم يشترون البضائع من الخارج بأسعار متدنية، وهي أسعار تحقق لهم أرباحاً كبيرة أيضاً.
وقد ظهرت تفسيرات مختلفة أيضاً لظاهرة خفض العقود مع المصانع اللبنانية، وهي متصلة بكون الأمم المتحدة خفضتها عمداً بعد اكتشاف الكثير من المخالفات للمواصفات التي تطلبها، وبعدما تبيّن لهم أن هناك الكثير من عمليات السمسرة والهدر، فضلاً عن فساد بعض المواد الغذائية التي طلبتها. كذلك، تردّد بين أصحاب المؤسسات المحلية، أن الأمم المتحدة اكتشفت وجود «سرقة» على المكشوف من الحصص التي تدفع ثمنها للنازحين، وبدأت تعتمد آليات مختلفة قد لا يستفيد منها الصناعيون مباشرة، بل من خلال الاعتماد أكثر على توزيع «بونات» شراء.
على أي حال، إن هذه التفسيرات المختلفة لا تلغي بعضها البعض، ولا تلغي أيضاً انتقال عدد من المصانع السورية إلى لبنان، إلا أن هذا الأمر تحوّل، في رأي جمعية الصناعيين اللبنانيين، إلى «مزاحمة غير مشروعة نتيجة إنشاء صناعات رديفة للصناعات اللبنانيّة، التي بدأت تعمل ضمن الأراضي اللبنانيّة من دون أي تراخيص قانونيّة وتشغل عمالاً سوريّين 100% من دون تسجيلهم في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، ما شكل مضاربة للمنتجات المماثلة اللبنانيّة لأنها لا تراعي الشروط والمواصفات المطلوبة من قبل الدولة».
وهذا الأمر كان محور بحث وتدقيق من قبل وزير الصناعة حسين الحاج حسن الذي عمّم على المصانع أن يكون لديها عمالة لبنانية لا تقل عن 80%.
لكن جمعية الصناعيين التي عممت على الصناعيين ضرورة إبلاغها عن المصانع السورية الناشئة، تقرّ بأن هذه المؤسسات أصبحت جزءاً من الاقتصاد اللبناني، لكن يجب أن تكون نظامية وأن تستوفي الشروط القانونية المطلوبة من كل المصانع في لبنان.