لا شكّ يكسر اقتراح القانون، الذي تقدّم به «تكتل التغيير والإصلاح» لانتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، شيئاً من الرتابة التي تطبع الحراك السياسي الداخلي. غير أن ردّ فعل قوى 14 آذار العنيف على الاقتراح، بشقيّها، تيار المستقبل وحزبي الكتائب والقوات اللبنانية، ليس معياراً للنقد، على الأقل في كلّ ما يخصّ التيار الوطني الحر، استناداً إلى الكيدية والخصومة المباشرة في ملفّ رئاسة الجمهورية عند الطامحين إلى الكرسي، فضلاً عن أن أحداً من المعترضين لم يناقش فحوى الاقتراح، في مقابل «تسطيحه» وربطه بتغيير النظام اللبناني العتيد.
لكن هذا ليس لبّ الحديث. فالأمور لا تبدو نفسها على مقلب 8 آذار، إذ لا ينتظر أحد أن يسمع نقداً من حزب الله لاقتراح النائب ميشال عون هذا، أو أي اقتراح آخر. حتى الرئيس نبيه برّي آثر الصمت وعدم التعليق طوال الأسبوع الماضي، ولو أمام زواره في عين التينة، على الرغم من أنه هزّ رأسه موافقاً عندما سمع تعليقات الرئيس أمين الجميّل على اقتراح عون.
في «صالونات» قوى 8 آذار، كلامٌ أبعد من اقتراح «التغيير والإصلاح» ونقده. فالاقتراح، ضمن ظروف البلاد الحالية، وعلى ما يعترف العونيون أنفسهم، لا يخرج عن التصعيد السياسي وضغط عون لتحصيل ما يمكن تحصيله في الاستحقاق الرئاسي. إلا أن الملاحظات «الآذارية» لا توفّر سلوك التيار الوطني الحرّ وخطابه بشكلٍ عام، بدءاً بأزمة تثبيت أساتذة الجامعة اللبنانية، وليس انتهاءً بالمؤتمر الصحافي الذي قرأ فيه الوزير جبران باسيل كلمة التكتل بعد اجتماعه الأسبوع الماضي.

لا يمكن باسيل أن
يتصرف كوزير خارجية للمسيحيين

تحسب قوى 8 آذار الدور الكبير الذي أداه عون في نقل جزء يسير من مسيحيي لبنان، الموارنة تحديداً، من ضفة إلى ضفة. يقول هؤلاء بتقدير إن «الجنرال استطاع أن يرسخ الجزء الأكبر من تياره في مشروع العداء لإسرائيل والتحالف مع المقاومة»، و«أن يثبت المسيحيين خارج الخطاب المغلق للشوفينية المسيحية التقليدية، التي سادت قبل الحرب الأهلية وخلالها، واستترت في سنوات الوجود السوري»، رغماً عن المشارب المتعددة في التيار الوطني الحرّ، لا سيّما أولئك الآتين من نهج «البشيرية»، نسبة إلى الرئيس بشير الجميل.
غير أن الجنون الذي يعصف بالشرق، وتنامي العصبيات المذهبية والهويات الضيقة، خصوصاً مع ما يعانيه المسيحيون المشرقيون من التنظيمات المتطرفة، ومشهد «التغريبة» في الموصل، لا شكّ تترك أثرها على تيار مسيحي لم يرقَ إلى مستوى التنظيم الحزبي، كتيار عون.
تخشى جهات فاعلة في قوى 8 آذار أن يتحوّل الخطاب «العوني»، في ظلّ حمل لواء الدفاع عن المسيحيين المشرقيين، إلى «خطاب مسيحي مغلق يثير العصبية والقوقعة». ويقول هؤلاء إنه «بدأت تظهر حالات عصبية داخل التيار الوطني الحر، تشيع خطاباً داخلياً مشابهاً لخطاب الجبهة اللبنانية خلال الحرب الأهلية».
تبقى الحصة الكبيرة من النقد لأداء باسيل، كوزير للخارجية، خصوصاً خلال زيارته الأخيرة للعراق.
ففي رأي المصادر، «لا يمكن باسيل أن يتصرف كوزير خارجية للمسيحيين، بينما هو وزير خارجية للبنان، وعلى العكس، يمكن لغطائه اللبناني أن يساعده في الدفاع عن المسيحيين أكثر». وتضيف المصادر أن «زيارة باسيل للعراق وخطابه لم يختلفا كثيراً عن زيارة الوفد الكنسي المسيحي وخطابه».
أكثر من ذلك، يستلّ مرجع في 8 آذار جملةً من الكلمة التي قرأها باسيل الأسبوع الماضي وتناولت «تصفية الوجود المسيحي في الشرق»: «من دون وجودنا في لبنان سيكون لكم صحراؤكم، ويكون لنا جبالنا الموزعة في العالم، من دون طعمكم ومن دون طعم لنا»! ينقّب المرجع عن بصمات الوزير السابق سليم جريصاتي في الكلمة، لأن «دولة الرئيس إيلي الفرزلي ما بيعملها»، ويكرّر الجملة: «لكم صحراؤكم ولنا جبالنا»! «لم نسمع هذا الخطاب منذ زمن إميل إدة».
عود على بدء. بعيداً عن البحث الدستوري لاقتراح عون، لا تبدو فكرة انتخاب الرئيس من الشعب على دورتين، على أن ينتخب المسيحيون وحدهم في الدورة الأولى فكرة «وردية» بالنسبة إلى قوى 8 آذار. تحت ستار الصمت، هناك من يقول إن «الاقتراح يحمل فيدرالية مقنّعة».