تعرّضت «لين» لضرب مبرح من زوجها أدّى إلى أضرار جسيمة في ظهرها تتطلّب علاجاً طويلاً. حُرمت رؤية ابنها لأنه وفق الزوج «الشرع معي». حلّ السيدة الوحيد كان الاستحصال على طلب حماية من قاضي الأمور المستعجلة وفق قانون العنف الأسري. حصلت على القرار، لكن الزوج المعنّف، مع تسلّمه قرار الحماية، قدّم طلب حماية مقابل، إذ إن لين أزعجته بصراخها من تحت المبنى كي يسمح لها برؤية ابنها، حتّى إنها عضّته! نتيجة ذلك ألزم القاضي لين عدم التعرّض لزوجها.
منذ زواجها، عانت «سمر» عنفا معنويا واقتصاديا من زوجها. استولى على راتبها وفضح أسرارهما الزوجية أمام الآخرين، أذلّها وأهانها لكونها من طائفة أخرى. تركت سمر المنزل وحُرمت طفلتيها اللتين أمعن الأب في تحطيم صورة والدتهما أمامهما. تقدّمت سمر باستدعاء أمام قاضي الأمور المستعجلة في جديدة المتن أنطوان نعمة، الذي أصدر قراراً مميزاً بالحماية، دان به العنف المعنوي والنفسي والاقتصادي الذي تتعرّض له. نتيجة القرار كانت تسليم الطفلتين إلى والدتهما، وتسديد مبلغ 1000 دولار شهرياً لقاء نفقات السكن والملبس والمأكل للطفلتين، إضافةً إلى تكليف جمعية كفى مواكبة الوضع النفسي لهما.
حتى اليوم توجد نحو 16 قضية عنف أسري في المحاكم. قد يكون العدد أكثر بقليل، نظراً إلى عدم القدرة على الحصول على رقم محدّد، إلاّ أنّ الجمعيات المعنية بالأمر ترى أن العدد بالتأكيد لا يتجاوز هذا الرقم بمعدل كبير. 11 قضية تقدّمت بها جمعية كفى، و5 قضايا تقدّمت بها المحامية بريجيت شلبيان، مديرة منظمة عدل بلا حدود، وبذلك أصبح من الممكن تحديد العقبات الأساسية التي تواجه تطبيق القانون الجديد، إضافة إلى التطرّق إلى توجهات القضاة في قضايا العنف الأسري وبعض القرارت المميزة التي جرى اتخاذها.

حتى اليوم توجد
نحو 16 قضية عنف أسري في المحاكم

هناك نوعان من الإجراءات التي تحصل للتقدّم بطلب حماية. الإجراء الأول، وفق شلبيان، هو أنه «إذا كان لدى السيدة شكوى جزائية مرفوعة، فإنه يمكنها أن تتقدم على نحو مباشر بطلب حماية أمام القاضي المنفرد الجزائي، أو قاضي التحقيق». الإجراء الثاني هو التقدم بطلب حمايه أمام قاضي الأمور المستعجلة، إذا لم يكن هناك شكوى جزائية. طلب الحماية هو عبارة عن استدعاء يتضمن عرضاً للوقائع التي تعرضت لها السيدة، وأبرز المستندات التي يمكن أن تساعدها على إثبات العنف. وفق هذه المعطيات تطلب السيدة منحها الحماية سنداً لأحكام مواد قانون العنف الأسري. المشكلة التي ظهرت حالياً هي «التفاوت الكبير في الآليات بين قاضٍ وآخر، فكل قاضي يطلب مستندات مختلفة»، كما تقول محامية جمعية «كفى» ليلى عواضة، وبالتالي لم نستطع تكوين نموذج يضم آلية موحّدة لشرحه للمرأة المعنّفة. تتفاوت الأحكام بحسب الخلفية الثقافية الموجودة لدى القضاة عن العنف وأشكاله وعلاقته بالسلطة، إذ إن العنف المطلوب تجريمه هو العنف الممارس من صاحب سلطة، ما يؤثر في فعالية وتماسك وسرعة صدور القرار. فكلما كانت الخلفية ضعيفة، ازدادت العقبات التي تواجهها السيدة، وكثرت المستندات المطلوبة، لكن في أماكن أخرى كثيرة جاءت النتائج مبهرة: قد يكون الإنجاز الأكبر للمنظمات الحقوقية، وعلى وجه التحديد جمعية «كفى»، أنها تمكنت من بناء وعي متقدّم، لدى بعض القضاة، عن مفهوم العنف، جعلهم متحسسين لهذه القضية، ما تُرجم على نحو واضح لدى الكثيرين منهم عبر القرارات التي اتخذوها. قضية سمر مثلاً، مثّلت نموذجاً فريداً من نوعه، عندما أعطى القاضي حضانة الطفلتين للأم، على الرغم من تخطيهما سن الحضانة، إذ رأى أنهما معرضتان للعنف النفسي والمعنوي، إضافة إلى نفقة مرتفعة نسبيا. تشرح شلبيان، وكيلة سمر، ما تواجهه هذه القضية من صعوبات «برغم صدور قرار الحماية على أساس العنف المعنوي، لم ينفّذه الأب، وجرى تهريب الطفلتين». انطلاقاً من هذه القضية تضيء شلبيان على الإشكالية الكبرى التي ستظهر مع بداية السنة القضائية الجديدة، عند الشروع في الاستئناف وقضايا الطلاق، وهي تنازع 3 قوانين تتشارك الاختصاصات: قانون العنف الأسري، قانون حماية الأحداث وقوانين الأحوال الشخصية. تقول شلبيان: «سيقع نزاع على الحضانة بين قاضي الأمور المستعجلة في المحاكم المدنية، والقاضي الشرعي في المحاكم الروحية، كذلك سيقع نزاع على الاختصاص، بين قاضي الأحداث وقاضي الأمور المستعجلة». ماذا سيحصل إذا وقع النزاع بين المحاكم الروحية والمحاكم المدنية؟ هل يمكن نقض قرار الحماية الصادر عن المحاكم المدنية في قانون العنف الأسري من قبل المحاكم الروحية؟ أسئلةٌ لم تُعرف أجوبتها حتى الآن، لكن إذا أُعطيت للمحاكم الروحية صلاحية نقض هذه القرارات، فهذا يعني أن القانون لم يُنجز سوى حماية المرأة من العنف الجسدي المباشر، لكن في المقابل أبعدها عن أولادها إذا كانوا يتجاوزون سن الحضانة، ما يمثّل ورقة ضاغطة على الأم، التي لا تريد أن تبتعد عن أولادها بطبيعة الحال. نقطة أخرى تبرز هنا وهي أن أي نزاع بين المحاكم المدنية والروحية سيذهب ضحيته الأطفال.
إلى اليوم لا تُعرف توجهات المحاكم في هذا الأمر، لأن الاجتهادات لا تزال قليلة، ما يحدو ببعض القضاة إلى التريّث بإصدار قرار الحماية، باعتباره قراراً يمس كامل الأسرة. مشكلة القانون أيضاً تكمن في عدم التحديد الدقيق لبعض المصطلحات ما يترك مجالاً واسعاً للتأويل والأجتهاد، فتصنيفات العنف المشمولة في القانون لم تحدد ممارسات واضحة لإدانتها. تظهر المشكلة على نحو كبير في العنف النفسي والمعنوي الذي يمكن أن يختلف الـتأويل بشأنه، وهو ما حصل في إحدى المحاكم، عندما هدّد الزوج المرأة أمام القاضي بعدم السماح لها برؤية أولادها، ولم يرَ القاضي أن هذا يدخل ضمن سياق العنف النفسي.
قضيةٌ مميزة ستظهر قريباً وفق قانون العنف الأسري، حيث ستتجاوز القضية التعنيف الحاصل من قبل الزوج للزوجة. فقد تقدمت سيّدة بقضية عنف أسري ضد شقيقيها اللذين يمارسان عليها عنفاً جسدياً يرمي إلى إخراجها من المنزل. هذا العنف يحصل داخل الأسرة التي نصّ القانون على شملها بأكملها. حتى اليوم لم يصدر قراراً بالقضية ولا يعرف التوجّه المطروح في هذا الموضوع، إلاّ أن القرار سيمثل حدثاً بذاته عند صدوره.