ليس الرهائن الأتراك لدى «الدولة الإسلامية» في الموصل، ولا عدد النازحين السوريين الموجودين على أراضيها، هي الأسباب الوحيدة التي تدفع بأنقرة إلى خارج المشاركة العسكرية في «التحالف الدولي لضرب الدولة الإسلامية». للدولة التركية حسابات أخرى عدّة، تجعلها تمسك بموقفها إزاء التحالف، حيث تصرّ على أن تقتصر مشاركتها ضمنه على «المساعدات الإنسانية».
وتجاوزاً للموقفها السياسي المعروف من «الدولة الاسلامية» (داعش)، الذي عاد وأكّده وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بعد لقائه نظيره الأميركي، الجمعة الفائت، ينبع رفض تركيا ذاك من استفادتها المالية الكبرى من عمليات تهريب النفط العراقي والسوري الذي يقوم به «داعش»، عبر حدودها الجنوبية، ومن ثم بيعه في السوق السوداء. هذا ما كشفته صحيفة «نيويورك تايمز»، قبل يومين، في تحقيق بعنوان «في صراعها لحرمان داعش من إيرادات النفط، الولايات المتحدة تطلب مساعدة تركيا»، تحدّثت فيه الصحيفة الأميركية عن عدم رغبة تركيا في «مساعدة» الولايات المتحدة، وقطع التمويل عبر النفط الذي يجعل «داعش» إحدى «أغنى المنظمات الإرهابية في التاريخ»، مشيرةً إلى استفادة «حكومية» تركية من عمليات التهريب تلك.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة لم تتمكن من إقناع تركيا، العضو في "الحلف الأطلسي»، بالقضاء على شبكة مبيعات النفط في السوق السوداء. ونقلت عن مسؤولين في استخبارات غربية قولهم إنهم يستطيعون ملاحقة شاحنات نقل النفط التابعة للتنظيم، خلال تحركاتهم من العراق إلى المناطق الحدودية في جنوب تركيا، لكن القوات الأميركية لم تهاجم هذه الشحنات بعد، مع أن هذا الخيار يبقى متاحاً، بحسب مسؤول كبير في الإدارة الأميركية.
ورأت الصحيفة أن فشل تركيا حتى الآن في تضييق الخناق على تجارة النفط، يجسّد حجم التحديات التي تواجه الإدارة الأميركية، أولاً في تشكيل الائتلاف لمواجهة «داعش»، وثانياً لتجفيف المنابع التي يعتاش منها، موضحةً أن حصول التنظيم على الأموال مرتبط بتجنيدها للمقاتلين وتأمين رواتبهم، فضلاً عن توسيع نطاق عمله ليشمل سوريا والعراق.
ونقلت الصحيفة عن خبراء في مراكز دراسات استراتيجية، قولهم إن رفض تركيا المشاركة في العمليات ضد «داعش» يعرّض «التحالف الدولي» للخطر، وخصوصاً أن قوى رئيسية في «الأطلسي»، يبدو أنها غير راغبة في قطع تدفق التمويل والمقاتلين والدعم عن «داعش»، وغير قادرة على ذلك.
ومع أن أنقرة أعلنت أن عدم اتخاذها موقفاً علنياً من «داعش» يعود إلى خوفها على حياة 49 دبلوماسياً في الموصل، إلا أن المسؤولين الغربيين مقتنعون بأن تركيا قادرة على قطع التدفق المالي عن التنظيم، إذا حاولت. ومع أنها لن تستطيع القضاء تماماً على عمليات تهريب النفط عبر السوق السوداء، فبإمكانها عرقلتها، يتابع المسؤولون، بحسب الصحيفة.
كذلك، تؤكد الصحيفة أن فريق الأمن القومي التابع لأوباما، تحدّث أكثر من مرة مع أردوغان ومع مسؤولين أتراك في الأسبوعين الماضيين حول إمكانياتهم للمساهمة في مواجهة «داعش»، وأن تمويله كان جزءاً من هذه المحادثات. ففضلاً عن البحث في إيقاف تدفق المقاتلين الأجانب، أمن الحدود، وتفكيك شبكات تمويل التنظيم، تأتي في صلب المحادثات، عشرات حقول النفط ومصافي التكرير في المناطق المسيطر عليها من قبل «داعش» في سوريا والعراق، التي توفر تمويلاً متواصلاً يقدّره الخبراء من مليون إلى مليوني دولار، ومع أنه مبلغ زهيد بالنسبة لسوق النفط العالمي، «لكنه مفاجأة كبرى بالنسبة لجماعة إرهابية».

وتشير الصحيفة إلى أن الاراضي التي يسيطر عليها «داعش» في العراق وحده، تنتج حالياً من 25000 إلى 40000 برميل نفط يومياً، ما يؤمن، على الأقل، نحو 1.2 مليون دولار في السوق السوداء، وفقاً للباحث في مركز «بروكنغز الدوحة»، لؤي الخطيب، فيما يقدر البعض المردود اليومي من مبيع «داعش» للنفط بنحو 2 مليون، ما يشكك المسؤولون الاميركيون في صحته.
ويمثل الجنوب التركي البوابة الرئيسية للسوق السوداء، حيث أصبحت تركيا جزءاً من «الاقتصاد الأسود» الذي يموّل «داعش». وبحسب الباحث في مركز «هاريتيج» للأبحاث جيمس فيليبس، فإن السلطات التركية أثبتت أنها غير راغبة في استهداف شبكة التهريب، مضيفاً إن الأتراك يتجاهلون هذا الأمر، لأنهم مستفيدون من السعر الزهيد للنفط المهرب في السوق السوداء، ومن بينهم مسؤولون في الحكومة.
من جهةٍ أخرى، كشفت مجلة «نيوزويك»، منذ أيامٍ، عن قيام تنظيم «الدولة الإسلامية» بتجنيد مقاتلين أتراك، في ضواحي اسطنبول «الهشة». ومن خلال الرويات التي نقلتها عن عدد من الأشخاص الذين انتقل أقاربهم للقتال في سوريا، خلُصت المجلة إلى أنه يمكن القول إن «داعش» تمكن من زرع شبكته بعمق في تركيا.
ولفتت المجلة الأميركية إلى أن المواطنين الأتراك المتضررين من تجنيد «الدولة الإسلامية» لأقاربهم أو معارفهم، يتساءلون عن حقيقة وجود النية أو اولقدرة لدى حكومتهم لمواجهة مشكلة تغلغل التنظيم في تركيا. وأضافت إن هؤلاء عبّروا عن سخطهم بسبب عدم تحرك الشرطة ووقوفها مكتوفة الأيدي أمام ضرورة استعادة أقاربهم من الجبهات.
وفي هذا السياق، نقلت المجلة عن أحد الأشخاص قوله إن لديه 15 فرداً من عائلته، بينهم خمسة أطفال، غادروا للعيش تحت حكم «الدولة الإسلامية» أو للقتال في صفوفه، خلال الأشهر الأخيرة.
ومن جهة أخرى، أفادت مجلة «نيوزويك» نقلاً عن أشخاص آخرين في اسطنبول، عن وجود شبكة توظيف تعمل من خلال الانترنت أو من خلال مجموعات للدراسة الدينية، وتستهدف شباب المقاطعات السنية، الغارقة في الفقر وإدمان المخدرات.
أما في ما يتعلق بالمستوى الرسمي ودوره في محاربة التنظيم، فقد قال أحد المسؤولين في الحكومة التركية للمجلة، إن بلاده «لا تتصرف باللين مع تنظيم الدولة الإسلامية»، موضحاً «أننا نتجنب الخطاب غير الضروري، وخصوصاً في ما يتعلق بقضية الرهائن»، في إشارة إلى الرهائن الأتراك الذين اختطفهم «داعش» في الموصل في حزيران الماضي.
في الإطار ذاته، صرح السفير الأميركي السابق في تركيا فرانسيس ريتشاردوني، بأن تركيا دعمت بشكل مباشر فرع «القاعدة» في سوريا، في تحدٍّ للولايات المتحدة. وفي حديث للصحافيين قال ريتشاردوني إن السلطات التركية ظنّت أنها يمكن أن تعمل مع المجموعات المتطرفة خلال الحرب في سوريا، وأن تدفعها في الوقت نفسه، لتصبح أكثر اعتدالاً.
وأضاف إنه لهذا الهدف عمل الأتراك مع فرع «القاعدة» في سوريا أي «جبهة النصرة»، وأيضاً مع المجموعات السلفية المتشددة مثل «أحرار الشام». وقال ريتشاريوني إنه حاول إقناع الحكومة التركية بإغلاق الحدود أمام هذه المجموعات ولكن من دون جدوى، مضيفاً إنه «لم يكن أمامنا إلا خيار واحد وهو الاتفاق على الاختلاف». ولكنه لفت إلى أن «الأتراك عملوا مع هذه المجموعات لفترة».

(الأخبار)