قد لا يكون التصويت على تمديد ثان لولاية مجلس النواب مؤجلا الى تشرين الثاني ما دام رئيس المجلس نبيه بري، الذي يرفض الخوض فيه او الاصغاء الى احد يفاتحه اياه، مؤيداً وجهة نظر قانونية قائلة بضرورة اقراره ـ وخصوصا اولئك الساعين اليه ـ قبل 20 تشرين الاول. تكمن الحجة الجديدة في ان المادة الـ57 من الدستور توجب امهال رئيس الجمهورية شهرا للطلب من المجلس اعادة النظر فيه، حتى اذا لم يستخدم صلاحيته خلال هذه المدة اعتبر القانون نافذا.
في غياب رئيس الدولة، تظل الصلاحية الدستورية قائمة وواجبة التطبيق، منوطة في الوقت نفسه بمجلس الوزراء مجتمعا. ما يحتم سريان مهلة تزيد على الشهر بين اقرار القانون في مجلس النواب وتوقيعه على التوالي من رئيس المجلس ثم من رئيس الحكومة، قبل ذهابه الى مجلس الوزراء لتقدير اصداره او طلب اعادة النظر فيه. وقد تتطلب المهلة 40 يوماً.
على ان ممارسة هذه الصلاحية، في مرحلة شغور رئاسي مستمر، اضحت نظرية، سواء بسبب عامل الوقت القصير الفاصل عن نهاية ولاية المجلس، او من جراء طرح معادلة قاطعة غير مرشحة للتأويل هي المفاضلة المرّة بين تمديد الولاية او الوقوع في الفراغ. لا يختلف هنا استخدام المادة الـ57 على ابواب تمديد 2014 عن استخدام المادة الـ19 بالطعن لدى المجلس الدستوري في تمديد 2013.
يحدد رئيس المجلس موقفه من الاستحقاق الداهم بالتأكيد انه ـ وكتلته النيابية ـ لن يصوّت مع التمديد، ولن يطعن في قرار توافق عليه الغالبية النيابية. بيد انه يسأل عن الغالبية التي من شأنها امرار قانون التمديد بعدما افصح الافرقاء المسيحيون علنا عن انهم سيقترعون ضده. لم يجهر حزب الله بتأييد التمديد، وإن كان لا يمانع فيه ضمناً تحت وطأة الظروف الحالية، إلا ان موقفه لا يزال غامضاً حيال مساندته الرئيس ميشال عون في رفضه رغم ان الحليفين افترقا في تمديد 2013، ولم ينضم حزب الله الى مراجعة الطعن التي تقدم بها تكتل التغيير الاصلاح.
يضيف بري انه لم يناقش حزب الله بعد في الموقف من تمديد الولاية، ويزيد عاملا اضافيا هو معارضة تيار المستقبل خوض الانتخابات النيابية قبل المسارعة الى انتخاب رئيس للجمهورية. وسيكون التيار، تبعا لذلك، في صدد سحب ترشيحاته ما يحيله العمود الفقري لتكوين الغالبية النيابية والسياسية المطلوبة للقانون.
ما دون ثلثي
مجلس النواب يعني تمديداً بنصف شرعية

لا يخفي بري أن تحريك أعمال مجلس النواب ومعاودته جلساته يعزّزان حجة الداعين الى التمديد، بعدما تخلوا عن ذريعة تعطيل البرلمان بربط أي استئناف لجلسات التشريع بانتخاب رئيس الجمهورية أولاً. يبدي ارتياحه الى كسبه جولة الاشتباك مع قوى 14 آذار التي آثرت أخيراً العودة الى جلسات المجلس، وتكريس صلاحيته الدستورية في التشريع في كل حين، في معزل عن استحقاقات أخرى تعذر إتمامها في مواعيدها.
لم يعدُ الكلام عن «تشريع الضرورة» إلا لإظهار الاهتمام المستمر بالاستحقاق الرئاسي وعدم إهماله، في معرض تثبيت الصلاحية الدستورية.
على بعد شهر ونصف شهر من انتهاء ولاية المجلس، لم يعد التمديد هو المسألة، بل بأي اكثرية يخرج بها؟
يكمن التساؤل في تأكيد أكثر من كتلة نيابية رئيسية أنها ستقترع ضد تمديد الولاية، من غير ان تعتقد للحظة بأن أي فريق سيغامر بنصاب انعقاد المجلس ـ وهو النصف +1 فحسب ـ ومن ثم التسبب بتعطيل الجلسة، بل تبدو صدقية الموقف، خلافا لما تشهده جلسات انتخاب رئيس الجمهورية بالحؤول دون اكتمال النصاب القانوني، في الإعلان بفم ملآن رفض التمديد والتصويت ضده من ضمن نصاب قانوني مكتمل، لا بالامتناع تارة او الاوراق البيض طوراً. يفسّر ذلك يقين الموالين بأن النصاب حتمي، إلا أن سلة الاصوات المؤيدة لا تزال ملتبسة على الاقل لأسباب:
اولها، ان تصويت المجلس على التمديد بالاكثرية المطلقة (65 صوتاً او ما يدور في هذا الفلك)، يعني ان نصف المجلس يعارض اجراء يتخذه ويقف موقف المعترض عليه. ما يعني ان نصف المجلس ينزع عن قانون التمديد نصف شرعية.
ثانيها، ان تذرع البرلمان بالظروف الاستثنائية، واخصها الامنية، لإمرار التمديد يفقد الحجة مغزاها عندما لا يوافق النصف على حجة النصف الآخر، ما يشير حتماً الى أن الحجة تلك غير جدية، بل لا تعدو كونها ذريعة فحسب، للحؤول دون اجراء انتخابات نيابية يلزمها الدستور.
ثالثها، ان تمديد 2013 حظي بغطاء قانوني بعدما تعذر على المجلس الدستوري الاجتماع للنظر في مراجعة الابطال، بيد انه لم ينل في اي حال شرعية شعبية عزّزها انقطاع مجلس النواب عن الاجتماع تماماً في الاشهر الاخيرة، بين 19 حزيران والبارحة. مذ مددت الولاية في 31 ايار 2013، لم يلتئم البرلمان سوى في 8 جلسات فقط، احداها انتخاب هيئة مكتب المجلس واعضاء اللجان النيابية، بينما توزعت الجلسات الاخرى على مناقشة البيان الوزاري لحكومة الرئيس تمام سلام، واربع جلسات تشريعية، وجلسة لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية الى مجلس النواب، الى جلسة تضامن مع غزة. بين 31 ايار 2013 و23 ايلول 2014 من عمر الولاية الممدددة، دعي المجلس الى سبع جلسات لانتخاب رئيس الجمهورية لم يكتمل نصابها تباعاً.
رابعها، أن ما يحتاج إليه التمديد الثاني هو شرعية دستورية بمقدار حاجته إلى شرعية شعبية. يؤمن الأولى اقتراع ثلثي المجلس في أحسن الأحوال على إجراء ملتبس لا يزال غير مبرّر، ويغطي الثانية ما صحّ في رجوع التشريع منذ البارحة، وهو عودة الابن الضال.