وصل البريد الالكتروني، الاسبوعي، من مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية داعيا الى ندوة عنوانها الكبير الصيغة اللبنانية والتغيرات الاقليمية، أما المحاضران فاعلاميان لا تتباعد وجهتا نظرهما كثيرا: جورج غانم وأمين قمورية. الاسئلة التي تتفرع من العنوان الكبير عديدة: في ظل التغيرات الاقليمية هل يمكن الحفاظ على النموذج اللبناني في العيش المشترك؟
ما هو مستقبل الدولة في لبنان؟ هل ستبقى الكيانات العربية في شكلها الحالي؟ ما هو أفق الاستقرار الذي يتمتع به لبنان مقارنة بالعراق وسوريا؟
بطاولة مستطيلة تحلق حولها الحضور الذي لم يكن كبيرا. نكات غانم كسرت رتابة الجو، و»البونبون» كان سلوى الموجودين.
افتتح الكلام الزميل في «النهار» أمين قمورية، أو «الشيخ أمين» كما ناداه غانم. انطلق من العراق «المقسم فدراليا»، ليقول انه في سوريا «لن تكون النتائج ذاتها، إذ ما من اقتناع سوري ولا اجماع خارجي على فدرلة سوريا». ولتمتين هذه النظرية، عرض قمورية سياسة كل طرف، «فالنظام ما زال يحارب من أجل سوريا موحدة تحت سيطرته. مقابل معارضة تتطلع الى سوريا موحدة ولكن تحكمها الاكثرية». أما في الخارج، «فلا تنظر ايران بارتياح الى دولة سنية تمتد الى حدودها»، فيما تركيا «تعتقد أن باستطاعتها اعادة سوريا ولاية عثمانية، مصرة على اسقاط النظام فتملأ هي الفراغ». السعودية تدور في الفلك نفسه، أما مصر، «فتريد وحدة سوريا لاسباب قومية». في هذا الوقت، ينتظر اللبنانيون تطور الاحداث في سوريا، «قسم منهم يراهن على سقوط النظام ليستقوي على شريكه في الداخل. قسم آخر يتطلع الى انتصار النظام خاشياً من أن سقوطه قد يؤثر عليه». بالنسبة إلى قمورية، «لا شك في أن أي تسوية سورية هي من مصلحة لبنان،
الصيغة الجديدة ترتب إيجاد استراتيجية دفاعية جديدة تحدد العدو والصديق ودور الجيش

وربما تخفف عنه أعباء تهافت الغربيين للتدخل فيه». المشهد في سوريا لا يبدو مطمئناً، لذلك «سيكون من حظ اللبنانيين أن يستفيدوا من حالة المراوحة التي نعيشها وصوغ الاتفاقات بالحد الادنى».
اكتفى قمورية بالقليل، كما قال، ليسلم الميكرفون الى غانم. اعتذر قبل أن يبدأ عن طول الكلمة، التي استغرقت كتابتها أكثر من أربع ساعات. عاد بالزمن الى ما قبل المتصرفية، ليقول ان «لبنان دائما جزء من معادلة اقليمية ودولية».
عازيا الفشل في بناء الدولة بعد انشاء دولة لبنان الكبير الى «الولاءات التي تتجاوز حدود الدولة»، مقدما عددا من الامثلة التاريخية على ذلك. على مر السنين تحول لبنان الى «حلبة مفتوحة، معطوف على ذلك صراع الطوائف على السلطة، ما ولد أزمة في الشراكة». يقول غانم إن هناك «تلازماً بين المحطات الرئاسية والانقلابات الاقليمية والدولية»، وما العهود الرئاسية الا دليل على ذلك. أما التوازنات الجديدة، فهي في انتظار «الحسم في سوريا». هذا البلد أصبح «ميدانا للصراع، ولبنان ميدان للحرب على الارهاب». مصيرهما مرتبط، «أي خلل في النظام الدولي يظهر في سوريا ويمتد الى لبنان». سوريا القديمة انتهت، بحسب غانم، «تقسيمها يتأكد يوما بعد يوم. ما ليس واضحا بعد شكل الاقاليم كيف ستكون». في ظل هذا الواقع، يبرز داخليا «ثقل النازحين السوريين، والخشية أن يصبح وجودهم مشابها للجوء الفلسطيني». هذا الوضع الناشئ «سيؤدي الى خلل في البنية». يبرز أيضاً واقع المسيحيين الذين «يرتبكون أمام التحولات بعدما خسروا فردوسهم». المصير البائس الذي أصاب مسيحيي العراق وسوريا لا يهدد المسيحيين اللبنانيين، «المسلمون متمسكون بهم كحالة خاصة». انتقد غانم الموارنة، فانفرجت أسارير حامي السريان حبيب افرام. هز رأسه موافقا بعدما كان عابسا معظم الوقت. لم ينسَ غانم «الطرف الآخر»، الذي اتهمه بأنه «هز النظام بسبب أحلامه الاقليمية سابقا والصراع الفلسطيني -الاسرائيلي راهنا». أكثر ما يؤثر على أتباع المذهب السني «هو التناحر بين العواصم السنية». أما الشيعة، فيواجهون «معضلة الانخراط والتجانس الوطني»، فيما «الدروز أرادوا ايجاد موقع لهم في السلطة من خلال استراتيجية البقاء الجنبلاطية». ختم غانم كلمته بنعي اتفاق الطائف، «انتهى القسم الاكبر منه». الصيغة الجديدة «ترتب ايجاد استراتيجية دفاعية جديدة تحدد من العدو والصديق ودور الجيش».