الصور على الجدران وواجهات المحال في قضاء بشري هي، حصراً، لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وزوجته ستريدا طوق. طريق بشري ــــ الأرز تحوّل الى «جادة سمير فريد جعجع». في الانتخابات النيابية الاخيرة، عام 2009، فازت لائحة القوات بنحو 75 في المئة من الأصوات. هذا كله يؤكّد الصورة السائدة في أذهان اللبنانيين بأن «بشرّي قوات». ولكن، من يزر «القضاء المقدس»، بعد 9 سنوات على «استلام» القوات «مقاليد الحكم» فيه، يلمس وجود رأي آخر، يحاول أن يكون فاعلاً، رغم انعدام الودّ بين أفراده وتفرّقهم.ورغم صعوبة انتزاع انتقاد للقوات على لسان أبناء القضاء القواتيين لأن «ما لدينا نفضل قوله في ما بيننا»، إلا أن، بين هؤلاء، من بات يجهر بالعتب «على أداء القيادة» في المنطقة.

«أمام الغريب نحن مع سمير جعجع. ولكن الملاحظات كثيرة»، يقول أحد القواتيين، وأهمها عدم التواصل الكافي مع البشراويين. علماً أن غالبية «العاتبين» يحيّدون النائب ايلي كيروز عن انتقاداتهم.
يقول مدرّس بشراوي معروف: «مجتمعنا عشائري. حكمته العائلات أكثر من أربعين عاماً». وعندما خرقته القوات «حاصدةً تأييداً عابراً لمعظم بلدات القضاء»، أغفلت «ازدواجية الولاء لدى الناس بين العائلات التقليدية والحزب». حلّت القوات محل العائلات، واعتبرت القضاء في «جيبها»، فـ «ورثت من العائلات ممارساتها الفوقية من دون أن ترث منها السياسة الخدماتية التي تشكّّل أهمية كبيرة في مجتمع ريفي كمجتمعنا».
أحد فعاليات منطقة بزعون يقول: «لسنا ضد القوات كحزب. لكننا لا نقبل التهميش والفوقية في التعاطي. سياستهم نحن أو لا أحد». يتهم حزب الدائرة الحمراء بأنه «لا يسمح بالقيام بأي شيء من دون اذنه»، فيما القوى التقليدية «تحاول، على قدّها، تقديم الخدمات. لكن الصلاحيات ليست في يدها». يلوم التقليديين «لأنهم غير موحدين». وهذه الفوقية هي حجة وليد أيضاً لمعارضة القوات: «اعتقدنا أننا انتهينا من الحصار الذي مارسته العائلات على مدى أعوام، لنفاجأ بالقوات تمارس حصاراً أسوأ».

جعجع مرحلة وتنتهي

عدد كبير من أهل بشري يقيمون فيها في الشتاء، على عكس «زعماء العائلات» والنواب الذين يتوجهون اليها نهاية كل أسبوع أو نادراً. في منزله في محلة النقّاش، يتحدث النائب السابق جبران طوق عن «مجابهة يومية بيني وبين القوات في بشري». المناسبة الاحدث «محاولتهم احتكار احتفال افتتاح ثانوية بشري، رغم أنني وقبلان عيسى الخوري عملنا على انشائها. سمير وستريدا يريدان إلغاءنا، ويتعاملان مع الناس بفوقية. شعب الجبل لا يتقبل هذه الطريقة». ولكن أليس هذا «الشعب» هو من صوّت لنواب القوات؟ يجيب: «ظروف 2009 كانت مختلفة.
ورثت القوات من العائلات فوقيتها من دون أن ترث خدماتها

تصريح الكاردينال نصرالله صفير عشية الاستحقاق أثّر كثيراً، وتحديداً في نحو 40 في المئة من غير المسيسين». يؤكّد أن «نسبة الملتزمين بالقوات ليست أكثر من نسبة الملتزمين معي. الـ 24٪ (من المقترعين) الذين معي، مغاوير. ستريدا تفتقد هذه النوعية من الناس». ويشير الى أن تعاطف البشراويين مع جعجع «لم يعد كما كان. لن ينجح في إلغاء التركيبة العائلية. كان لديه 80 في المئة من آل طوق، فقدهم اليوم. هو مرحلة وستنتهي». يعوّل طوق على نزع المقعد الثاني من آل كيروز، وعلى «عدم تواصل القوات المباشر مع الناس»، في تبديل المزاج الشعبي. «وإذا اعتمد القانون النسبي سنخرق بواحد».
يرفض طوق القول إنه نجح في الانتخابات في ظل الوجود السوري، وسقط حين عاد القرار لأبنائها، «فأنا أكثر من حاربه السوري سياسياً. أفضل أن أكون مختاراً في بشري وكرامتي محفوظة على أن أكون رئيس جمهورية تابعاً لأحد». لا تغيب القوات عن حديث طوق. وحتى حين يُسأل عن الاضافة التي يقدمها لشارعه، يجيب بسؤال: «ماذا فعلوا هم؟ كل مشاريع بشري التي تدّعي القوات أنها نفذتها أنا مصدرها. ولكن اعلامهم قوي». نقطة ضعف طوق، «غياب الحلفاء. أما بقية العائلات فتراني في الطليعة، لذلك تتقوقع خوفاً من القوات».
لا ينكر روي عيسى الخوري أن جبران طوق «هو الاقوى. على الارض، نحن الموجودان». لكنه يذكّر «الشيخ جبران» بأن عمه النائب السابق قبلان عيسى الخوري هو الذي رشح طوق للانتخابات في السبعينيات. وبالمناسبة «المشايخ في بشري هم عائلتا عيسى الخوري والضاهر». انسحب روي من انتخابات 2009 لأن «القوات ضدي». لم يجيّر أصواته لطوق، «فالناس ليسوا غنماً، تركنا لهم الاختيار». لعيسى الخوري مكتب خدمات أيضاً، «ونحن كل أسبوع في بشري». يقول إنه فاعل في المنطقة، لافتاً الى تمكّنه من إيصال مختارين في الحي التحتاني في المدينة من آل رحمة «غصباً عن ستريدا التي لم تبلع الموضوع حتى اليوم». أما العلاقة بين عمه النائب السابق والسوريين، فقد «ساهمت في ألا يبقى أي من أبناء بشري مسجوناً في سوريا. علاقة الجميع كانت جيدة مع سوريا». بالنسبة الى روي ليس هناك عمل حزبيّ في بشري، «العونيون هم عونيون نكاية بالقوات. ومشكلة رموز العائلات الذين يخاصمون سمير وستريدا جعجع أنهم غير موحدين. ولم نتعلم كيفية الاستفادة من أخطاء القوات، بخاصة عدم اهتمامهم بجماعتهم».
ويتبدّى التشظي أكثر بين خصوم القوات في حالة سعيد طوق. هو ضد القوات، وتلقائياً ضد قريبته النائبة ستريدا طوق جعجع، وفي الوقت عينه، ضدّ قريبه جبران طوق. يقول: «بشري ليست قوات. المنطقة لا تتحمل الديكتاتورية». يؤكد القواتي القديم أنه وروي «نعمل بواقعية. لا نؤيد 14 آذار، ونؤمن بأن تدخل حزب الله في سوريا حمى لبنان». ولكن الهمّ في الدرجة الاولى «الانماء في منطقتنا وتحصيل حقوق جماعتنا». الأكيد بالنسبة له «أن الرأي العام المؤيد لنا الى ارتفاع».
معارضو القوات في بشري مشرذمون. هم مزيج من أحزاب وزعامات محلية همّها الأول الغاء بعضها بعضاً ليثبت كل منها أنه هو «الشرعي». وفي ظل وجود «معارضة» كهذه، لا خطر على القوات... و«أبشر بطول سلامة يا مربع»!




ناقمون على الطرفين

يقول مختار حيّ آل طوق في بشري زياد طوق الذي كان قواتياً، قبل أن يصبح «لا شيء حالياً»، إنه عندما كان سمير جعجع في السجن «لم تكن القوات ناشطة، لكن البشرّاويين كانوا معها من أجل القضية». يذكر كيف أن «بشري كلها، حتى 2004، كانت تشارك في نشاطات القوات. هذا الواقع تغيّر». ويعطي مثالاً الانتخابات البلدية والاختيارية «الناس، يومها، لم يلتزموا بالتوجيهات الحزبية وانتخبوا عكس إرادة معراب». ويوضح طوق أن الخدمات تشكل «جاذباً مهماً للناس، اضافة الى أنهم لا يحبون من يتعاطى معهم بفوقية. هذا خطأ القوات، كما هو خطأ (النائب السابق) جبران طوق». هل يعني ذلك عودة الى تأييد نوّاب العائلات؟ يجيب طوق: «حيثية هؤلاء لا تزال موجودة. لكن الرأي العام المتعاطف معهم ليس كبيراً كونهم ليسوا في السلطة وامكاناتهم المادية ضعيفة»، مشيراً الى وجود «شريحة كبيرة ناقمة على الطرفين معاً، لم يتمكن أحد من استقطابها بعد».