صيدا| الوضع في لبنان محتقن. هل هناك من يجادل في هذا الموضوع بعد اليوم؟ قطعاً لا. اللبنانيون يتخوفون من أعمال غير سلمية تشهدها بلادهم. الجميع قلق. لكن، رغم هذا كله، فإن ثمة ما يطمئن العمال السوريين في لبنان. والحديث عن هؤلاء، دون غيرهم من العمال، ليس آتياً من فراغ، أو حتى من رابط سياسي بحت. الرابط الحقيقي بين العمال السوريين وطبيعة الاحتقان اللبناني، خوف من تكرار الماضي.
فقد سقط كثيرون منهم، سابقاً، ضحية عنصرية جزء من اللبنانيين. مورس الأذى بحقهم، وكانوا هدفاً لفترة غير قصيرة. لكنهم، هذه المرة، ليسوا خائفين، لا بل إن بعضهم يضيف واثقاً: «أبداً». يؤكدون خلوّ ذهنهم من إمكانية تعرضهم للإيذاء الجسدي. ويستفيضون في الشرح، إذ يذكرون أن زملاء لهم تعرضوا سابقاً للضرب المبرح، أو حتى القتل. أما مصدر اطمئنانهم هذه المرة؟ «الوضع اختلف وسورية أقوى وأصابع الاتهام بقتل الحريري غير موجهة هذه المرة إليها»، يقولون. وإلى ذلك، يطمئنون اليوم، لوجود سفارة سورية في لبنان تدافع عن سلامتهم وحقهم، كما أشار عدد منهم.
حياتهم لم تتغير عملياً. في مبنى قيد الإنشاء، وسط مدينة صيدا، كان نصف جسد العامل السوري مصطفى الحسن الواقف على سقالة خشبية، يتدلى من علو مرتفع، لكنه كان مطروباً. راح يغني من ذاك العلو «لرميلك حالي من العالي وقلّك هديني». نناديه من تحت. نسأله عما إذا كان خائفاً من التوتر الحاصل في لبنان، فيجيبنا بصوت عال: «لست خائفاً ولا داعي للخوف». صوته المرتفع أوحى بأنه يريد إيصال رسالة عالية النبرة: «نحن بين أهلنا وشعبنا مش خايفين من أي مكروه يصيبنا، أو من ردود فعل تلحق الأذى بنا كما حصل مع عمال سوريين بعد مقتل الحريري»، ثم يردف ضاحكاً «صامدون هنا، وسورية أقوى والمقاومة اقوى». أما رفيقه، فلم يفوّتها فرصةً «للتنكيت»، إذ صاح متهكماً: «فاجأناكم مو؟» (قاصداً عدم مبالاتهم بالأوضاع في لبنان).
وتنسحب حال العاملين المطروبين على حال عمال سوريين كثر يعملون في منطقة صيدا وشرقها، تخلّوا عن خوف لازمهم فترة طويلة، حتى إن بعضهم ما عاد يتحفظ على ذكر اسمه وهو يتحدث إلى وسائل الإعلام: «لا لفّ ولا دوران، اسمي محمود المقداد من قرية قرب طرطوس»، قالها العامل السوري المنتظر مع العشرات من رفاقه عند مستديرة القناية ـــــ الحارة، شاحنات محملة بأكياس الباطون ليفرغوها في ورش بناء في المنطقة. ومن دون تردد أجاب المقداد عن أسئلتنا: «خيو ما تسألني ليش بعدني هون، بلادي بريئة من دم الحريري»، لكن المقاومة التي يتهمها البعض باغتيال الحريري متحالفة مع بلاده؟ يجيب: «هذه تهمة باطلة ولنا الشرف أن نتحالف مع المقاومة». يتدخّل العامل الآخر، بسام الحمد، محلّلاً سير التطورات في لبنان: «الوضع في لبنان خطير، ويجب أن تتحلى القيادات اللبنانية بالوعي، أما نحن العمال السوريين، فلا نضع يدنا على قلبنا من ردود فعل غاضبة تجاهنا كما جرى سابقاً». أما سبب اطمئنانه، فيرى أنه بديهي. يذكر، هو الآخر: «ماتنسوا صار في عنا سفارة سورية بلبنان ومسؤولة عن رعاياها، وستقطع العلاقات الدبلوماسية إذا ما مُسّ أحد من رعاياها، والجيش اللبناني يحمي العمال السوريين كما يحمي المواطنين اللبنانيين، ما في خوف ومش خايفين».
موضوع وجود سفارة سورية في لبنان تحمي رعاياها يكاد أن يكون كلاماً مشتركا بين العمال السوريين. الجميع سعيد بسفارة بلاده. وفي سياق متصل، نفى المقداد الشائعات التي تحدثت عن مغادرة عمال سوريين يعملون في لبنان الى سوريا نفياً قاطعاً. وبطبيعة الحال، سخر من الأحاديث التي تقول بأن العمال غادروا لبنان بناءً على طلب «القيادة السورية»، تحسباً من تعرضهم لأعمال عنف. ثم يدعم المقداد موقفه بخبرية طازجة: «طيّب شو رأيك خيو إنو مبارح وصل 200 عامل سوري جداد الى منطقة صيدا للعمل في الزراعة وورش البناء؟ لو في شي أو في خوف ما كنا استقدمنا تعزيزات من العمال للعمل هنا».
يضحك عمال آخرون: «بكرا قيادات من 14 آذار بقولوا إن الاستخبارات السورية أرسلت تعزيزات الى لبنان لقلب النظام فيه».