بفارق قليل الاهمية، وقليل المغزى، صوّت على تمديد ولاية مجلس النواب البارحة 95 نائبا، بعد تصويت 98 نائبا على تمديد اول في 31 ايار 2013. لا الذريعة تغيرت عندما تحججت قبلا والآن بالظروف الاستثنائية، ولا الكتل الرئيسية الكبرى التي ايدت او عارضت. صاحب الاقتراح ايضا نفسه لم يتغير. المتغير الوحيد تقريبا بين ما حدث عام 2013 وامس ان لا رئيس للجمهورية. الا ان هذا المنصب اضحى مسألة هامشية اكثر منه استحقاقا كي يتسم بطابع العجلة والالزام، وهو يقترب من موعد الجلسة الخامسة عشرة. وبالتأكيد سيتجاوز الجلسات الـ20 التي عبرت باستحقاق 2007، وبالاشهر الـ13 التي عبرت باستحقاق 1988. لم يكن ليصدّق احد ان التمديد حصل بسبب عدم انتخاب رئيس او انه سيؤدي حقا الى انتخابه، ولا ان الذين ايدوه او عارضوه كانوا يتفادون الفراغ او يدافعون عن منصب الرئاسة الشاغرة. بل الاصح ان احدا لا يريد انتخابات نيابية ولا انتخاب الرئيس قريبا، قبل التيقن من مسار الفوضى في المنطقة وتداعياتها على لبنان.
ما يعني جلسة البارحة ان البرلمان تخطى خطر الفراغ الواقع منتصف ليل 19 تشرين الثاني، وتمدّد الى ولاية تنتهي في مثل هذا النهار بعد سنتين. اثبت ايضاً ان الكتل النيابية الكبرى هي التي تقوده. بل اكد ان التفاهم السنّي ـــ الشيعي، المباشر او المتقاطع، هو الذي بات يصنع مصير المؤسسات الدستورية في لبنان. لا اتفاق بينهما يفضي الى انتخاب الرئيس الماروني، ولا اتفاق بينهما على دفع البلاد الى فراغ قاتل ينجم عن انهيار البرلمان، ولا احد يتوقع اتفاقاً بينهما يؤدي الى تقويض حكومة الرئيس تمام سلام او انفجار الوضع الامني. وليست الرسائل غير المباشرة المتبادلة بين الرئيس سعد الحريري والامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سوى احدى دلالات هذا التقاطع والتريث في الوقت الحاضر.
اما ما يعني الافرقاء المسيحيين، فبضع ملاحظات:
اولاها، ليست المفاجأة مَن صنع التمديد الثاني، بل الحسابات المدروسة ومن قبلها التعهدات الناجزة. لم يكن في وسع الرئيس ميشال عون سوى تكرار موقف 2013 عندما قاطع ذلك التمديد وطعن في دستورية القانون لدى المجلس الدستوري. ولم يكن في وسع القوات اللبنانية الا ان تفعل اليوم ما فعلته في الامس، وهو التصويت للتمديد الثاني بعد الاول.
كان رئيس المجلس نبيه بري، عشية الجلسة مساء الثلثاء، على ثقة بأن كتلة القوات اللبنانية ستقترع مع التمديد على وفرة الغموض الذي حاولت احاطته بموقفها في الساعات القليلة المنصرمة. بعض اسباب اقتناعه انها تفعل نقيض ما يفعله الرئيس ميشال عون كي تبقى في اشتباك مفتوح معه. ناهيك بالصنارة التي القاها بري في بركة الاستحقاق، وهو ما قاله للنائب جورج عدوان لايام قليلة خلت، ان عدم حسمها موقفها ايجابا مع التمديد سيفقد الجلسة ميثاقيتها ويضع مجلس النواب في مهب الفراغ. حمّلها عبء ميثاقية الجلسة، وقدّم لها مخرجا سهلا لاعلان موقفها المؤيد رغم معرفته المسبقة بمجاراتها التمديد لاسباب ترتبط بتحالفها الوثيق مع تيار المستقبل.
ردّ جعجع الجميل مرتين، بينما أحجم عنه الجميّل وعون


امام زواره تحدث بري عشية الجلسة عن مرحلة ما بعد اقرار تمديد الولاية، وكان واثقاً من التصويت على الاقتراح، ومن توافر فائض من الغطاء المسيحي زائدا قليلا من «العصب» الضروري للجلسة. قال: ما لم يتمكن المجلس من فعله بعد تمديد 2013 والتعهدات التي قطعها بوضع قانون انتخاب سيحصل الآن.
ثانيها، تباين رد الزعماء الموارنة الثلاثة، الرئيسين امين الجميّل وميشال عون وسمير جعجع، على التحية بمثلها. لم يرد الجميّل الجميل للحريري لتوزيره ثلاثة كتائبيين. ولم يرد عون الجميل لنصرالله عندما اعلن انه مرشح فريقه للرئاسة ولا حوار في الاستحقاق في معزل عنه. في المقابل رد جعجع الجميل مرتين: اول لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عندما استضافه في المملكة وطلب منه سلفا تأييد تمديد ولاية المجلس، لان هذا القرار حيوي واساسي للسعودية. وثان لحليفه الحريري الذي وقف الى جانبه في ترشحه للرئاسة، ولم يرسل مرة اشارة سلبية الى احتمال تخليه عنه حتى في عز الحوار الغامض والملتبس بين رئيس تيار المستقبل ورئيس تكتل التغيير والاصلاح.
بدوره رئيس المجلس كان يأمل في ان يلتزم عون وعدا قطعه في زيارته الاخيرة له، عندما اكد حضور كتلته جلسة التمديد وان اختار التصويت ضده. لم يعطِ عون بري وعدا بعدم الطعن في قانون التمديد، سوى بالقول ان عليه البحث في الامر مع نواب التكتل. باغت رئيس المجلس قرار الجنرال مقاطعة الجلسة، ما اشعره بجنرال يجانب الجنرال.
ثالثها، لا احد من الافرقاء المسيحيين انقذ شرعية البرلمان، ولا احد بينهم كان يدفع بها الى الهاوية. في حسابات رئيس المجلس عشية الجلسة ان نصف النواب المسيحيين او يكاد سيحضرون جلسة الغداة. وهو عدد كاف كي يضفي على الجلسة صحة تمثيل مسيحي فيها، وان غابت الكتل الرئيسية.
ما قاله بري امام زواره: «باستثناء تيار المستقبل والنائب وليد جنبلاط اللذين يكاد يحصر بهما تمثيل السنّة والدروز لانهما القوتان الوازنتان فيهما، فإن ايا من حزب الله او حركة امل كاف وحده كي يتمثل الشيعة في اي جلسة. كذلك الامر بالنسبة الى الفريق المسيحي سواء حضرت الكتل الكبرى او العدد الاكبر من النواب الموزعين على كتل اخرى، وهو شأن النواب المسيحيين المستقلين الذين لا يقلون تمثيلا عن اعضاء الكتل الرئيسية. عندما يحضر نواب حركة امل جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، ليست الميثاقية ما يمنع انتخاب الرئيس بل عدم اكتمال نصاب الثلثين. الشيعة ممثلون من خلال حركة امل وان حضر بعض نواب حزب الله، لكن الآخرين غير ممثلين تماما. ليست قصة ميثاقية، بل نصاب غير مكتمل. عندما يحضر نصف النواب المسيحيين او اكثر تقع الميثاقية حتما، لكنني اتحدث دائما عن العصب الضروري والكافي التي يقتضي توافره في احسن الاحوال».