عندما سمّى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عون مرشح فريق 8 آذار ونفى اي علاقة لايران وسواها بالاستحقاق الرئاسي بوضعه في نطاقه الداخلي البحت، عَكَسَ بذلك ضمناً موافقة ايرانية على خيار الحزب الوقوف الى جانب رئيس تكتل التغيير والاصلاح ودعم وصوله الى الرئاسة. في المقابل لم يُظهر تيار المستقبل ولا الرئيس سعد الحريري خصوصا، حتى الآن على الاقل، اي جهد لاقناع جعجع بالتخلي عن ترشحه على وفرة احاديثه عن ضرورة البحث عن مرشح ثالث. وقد لا يكون قادرا على ذلك، او لا يريد حتى في ضوء تمسك السعودية بهذا الترشيح. عندما نقلت الى سفير دولة كبرى عبارة احد محدثيه اللبنانيين ان تيار المستقبل جاهز للتفاوض على مرشح ثالث سوى جعجع وعون، فوجىء وكان رد فعله انه لا يصدق: جعجع مرشح الرياض وليس تيار المستقبل. ثم اكد لمحدّثه ان المملكة لن تتخلى عن تأييد ترشيحه في وقت قريب.
احدى الاشارات المكملة لهذا الموقف ان رئيس حزب القوات اللبنانية يبدي استعداده للعودة عن ترشيحه في مقايضة مباشرة بينه وعون تقضي بخروجهما معا، من دون ان يفسح في المجال امام ترشيح قوى 14 آذار الرئيس امين الجميل او اي شخصية مارونية اخرى في الائتلاف. لا عون يتقبل انتخاب الجميل، ولا جعجع يمنحه فرصة الترشح. فإذا خيارات الاستحقاق مغلقة تماما، في الوقت الحاضر وفي ظل استمرار الخلاف السعودي ـ الايراني، على ترشيحي عون وجعجع فقط. كل منهما بات المرشح المعلن لفريقه.
لكن مغزى الاشارات الايجابية المتبادلة بين حزب الله وتيار المستقبل لا يعدو كونه يضع الاستحقاق في حيز جديد من الجدل، في موازاة استمرار الشغور الرئاسي الى امد غير منظور.
سفير دولة كبرى: جعجع مرشح الرياض وليس تيار المستقبل
تفصح عن هذا المسار بضع ملاحظات، منها:
1 ـ ايصاد حزب الله الباب نهائيا امام اي مرشح سوى عون، وربط التفاوض مع تيار المستقبل على الاستحقاق بالحوار معه هو فحسب. عنى ذلك ايضا، وخصوصا بعد زيارة وفد الحزب للرابية الاسبوع الماضي، ان حزب الله لن يطلب منه الانسحاب، ولن يرغمه عليه في اي وقت. يعني ايضا ان عون نفسه لن يتخلى عن ترشحه ايا تكن وطأة الظروف المقبلة بما فيها مصير انتخابات الرئاسة بالذات.
في تقويم حزب الله موقفه من انتخابات 2008 على اثر اتفاق الدوحة، ومن ثم انتخاب سليمان، انه ظلم نفسه بمثل ما ظلم عون حليفه حينما رغب اليه في سحب ترشيحه والافساح في المجال امام انتخاب قائد الجيش آنذاك.
2 ـ رغم اعتقاد قوى 14 آذار بأن التأييد العلني لحزب الله ترشيح عون أفقده صفة المرشح التوافقي، على نحو ما كان رئيس تكتل التغيير والاصلاح يطرح نفسه، وضع نصرالله بموقفه هذا شرطه للرئيس التوافقي. بعد تجربة سليمان في الرئاسة، وخصوصاً منذ النصف الثاني من الولاية وعلى الاخص في سنتها الاخيرة، لن يوافق حزب الله بعد اليوم على اي مرشح توافقي على صورة الرئيس السابق. لن يقبل برئيس يأتي ثمرة الخلاف على مرشحين آخرين، فيُنظر اليه كمرشح تسوية بعد تعذّر الاتفاق على سواه. تاليا لا يرى حزب الله في عون مرشحا توافقيا على غرار نمط انتخاب سليمان.
ما عنته دعوة نصرالله تيار المستقبل الى التحاور مع عون على انتخابات الرئاسة، هو الاتفاق معه على المهمة التوافقية للرئيس ـ اي للجنرال ـ لا على مواصفات توافقية لرئيس سواه.
3 ـ بعد الموقفين الاخيرين للامين العام لحزب الله ورئيس تكتل التغيير والاصلاح وقد بدوا متكاملين باعلان الاول ترشيح حليفه وبرد الثاني التحية بكلامه عن التكامل الوجودي، بات من باب لزوم ما لا يلزم القول ان عون لن يغادر حلبة الرئاسة الا مهزوما على طريقة ما حدث في 13 تشرين الاول 1990، عندما أُخرِج بالقوة من قصر بعبدا وأقصي تماماً عن معادلة السلطة حينذاك، وحُمِل على مغادرة لبنان. على نحو مماثل تقريبا، يخوض معركة ثانية مشابهة ومصيرية بالنسبة اليه في خاتمة حياته السياسية، بعد اولى لم تنجح في مطلعها. رمى في مواجهة 1988 ـ 1990 الى تأمين انتقاله من قيادة الجيش الى رئاسة الدولة تحت صورة وصول «رئيس قوي». شعار كان قد سبقه الى اطلاقه قبل ست سنوات ترشح الرئيس بشير الجميّل ومن ثمّ انتخابه عام 1982.
في الحلبة الجديدة، الاخيرة لعون، باشر المعركة تحت شعار «الرئيس القوي»، ويخوضها الآن بشعار «رئيس مسيحي ذي معنى». في اوساطه الآن تكرار عبارة اطلقها الجنرال عامي 1989 ـ 1990 انه لا يغادر قصر بعبدا الا شهيدا. تستعيد اوساطه العبارة نفسها: لن يترك الاستحقاق الرئاسي سوى مستشهدا.
وهو فحوى ما التقى عليه مع نصرالله: لا رئيس للجمهورية لا يكون هو.