خطة حلف الأعداء، الجديدة، تقوم على تجاوز التناقضات السياسية بين أطرافه. تفاهم أميركي ــــ تركي، وتركي ــــ سعودي، وسعودي ــــ قَطري إخواني. وهو مسار صريح نحو حلف تربطه المشتركات الأساسية بين الوهابية والعثمانية والاخوانية والسلفية المقاتلة، تحت شعار «المشروع السنّي». ولا بد من التذكير، هنا، بأن أول مَن اقترح هذا المشروع بصيغته هذه، كان الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي، حين التقى الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، وأعلن، وقتها، أن السعودية هي قائدة «المشروع السني» وأن مصر «أداته».
لم تستجب الرياض، حين ذاك، للعرض المصري الاخواني. خشيت من قوة الاخوان المسلمين، الصاعدة، في تركيا ومصر، على قيادتها للعالم السني، وعلى امكانية نموّ نفوذها في الداخل الخليجي، وفضّلت حلفاً يتكوّن من دول الخليج والأردن، ومتابعة التدخل المنفرد في سوريا والعراق.
إخوان مصر، تابعوا «المشروع» مع قطر وتركيا. وقبيل سقوط حكمهم في 30 حزيران 2013، عقدوا مهرجانا للإخوان والسلفيين والتكفيريين من كل الأطياف، لتوحيد الحملة «الجهادية» ضد سوريا؛ حملة تبعثرت مع الثورة المصرية التي أطاحت بالجمهورية الإخوانية، وشجعت التقارب السعودي ــــ المصري.
التناقضات داخل أطراف «المشروع»، أدت إلى تمزّقه سياسياً، ما أتاح لمصر، قدراً من الاستقلالية وهامش المناورة، وما أدى، ميدانياً، إلى تراجع الميليشيات التي تقاتل الدولة السورية، واقتتالها الداخلي، والظهور القوي لمنظمة «داعش»، بدعم تركي كثيف استهدف الامساك بمعادلات القوة في سوريا والعراق.
كان سلمان بن عبدالعزيز ــــ وفريقه ــــ يراقب التناقضات الحاصلة، وأثرها السلبي على قوة وفعالية الأطراف التي يوحدها العداء لمحور المقاومة؛ فعلى خلفية تلك التناقضات، صمد النظام السوري، وبرز الحوثيون كقوة مهيمنة في اليمن، تهدد مستقبل السعودية. توصّل فريق الحكم الجديد في الرياض إلى قناعة بأن الصراع الإقليمي هو، في النهاية، أميركي ــــ روسي، وتركي ــــ إيراني. وهو ما يستلزم العمل على القفز فوق الخلافات الثانوية، واندماج كل القوى المعادية لمحور المقاومة، في جبهة واحدة، وإعادة تأهيل جيش الإرهابيين كأداة موحدة ومقبولة دولياً. هكذا، جرى الاتفاق الأميركي ــــ التركي على تدريب «المعارضة السورية»، وهو غطاء لإعادة تأهيل الميليشيات الإرهابية على اختلاف مسمياتها، ومنح الغطاء السعودي لتغطية التدخل العسكري التركي في ريف حلب، وتخويل قطر مهمة إرسال الإرهابيين إلى اليمن، ودعم القوى المعادية للحوثيين.
تبقى، هنالك، عقدتان. تركيا وقطر تعترضان على منح النظام الأردني دوراً أساسياً في «المشروع»، إلا إذا استوعب الإخوان في السلطة، واستضاف حركة حماس، غير أن العقدة الأكبر تتمثّل في مصر السيسي التي تواجه، اليوم، خيارات صعبة للغاية: فمعركة الجيش والاخوان المسلمين وحلفائهم، هي معركة كسر عظم؛ مضمونها داخلي يتعلق ببنية الدولة ولا يتعلق بالسياسات الإقليمية، ما يعني أنه من المستحيل التراجع عنها. كذلك، تواجه مصر تهديدين أمنيين خطيرين، تقودهما وتمولهما تركيا وقطر. ليبيا من الغرب وسيناء من الشرق. وهذان التهديدان لا ينفصلان عن التهديد الاخواني الداخلي.
القومية في مصر تساوي الاشتباك مع إسرائيل، وتالياً الالتحام بالمشرق العربي. وبهذا المعنى، لم يبرهن نظام عبدالفتاح السيسي، على كونه قومياً؛ لكن استناده إلى الجيش، وخطابه، ومجمل حركته السياسية، كلها عناصر تشير، بوضوح، إلى ارتباطه بالوطنية المصرية. وأول أعمدة الوطنية المصرية، منذ ثورة 1919، يتجلى في وحدة الهلال والصليب، وفي اسلام شعبي خاص هو خليط محبب من التسنّن والتشيّع، وفي ميول ثقافية ليبرالية. وكل ذلك يجعل من معركة نظام السيسي مع الاخوان والسلفيين، معركة الوطنية المصرية، بالذات.
هنا، نصل إلى بيت القصيد: انتصار حلف المقاومة لا يتحقق بالسلاح وحده، بل في التفوق السياسي والثقافي والأخلاقي؛ لذلك، ينبغي الحرص على أن يكون هذا الحلف عابراً للمذاهب والطوائف والتيارات الأيديولوجية. وهذا الحرص، في معناه الاسلامي الوحدوي، موجود من خلال ما تعطيه طهران وحزب الله من أهمية للعلاقة مع حماس؛ غير أن حماس هي، في النهاية، منظمة إخوانية، أي مذهبية وطائفية. وهي عدوة مصر؛ مصر أكبر بلد عربي سنّي وموئل الأزهر الشريف، واستقطابها من قبل محور المقاومة، يعني كسر المشروع المذهبي.
نلاحظ، هنا، أن روسيا ــــ التي أدركت أن السياسة المصرية في حالة بحثٍ و تكوّن ــــ تدفقت نحو المصريين بالمبادرات السياسية والاقتصادية والدفاعية، وآخرها استعدادها للتحالف مع الجيش المصري في التصدي للإرهاب في ليبيا وسيناء؛ المطلوب من حلف المقاومة، الآن، كسب مصر... لكسب الحرب.