مع ظهور الإعلان الترويجي لحلقة أمس من برنامح «حكي جالس» (الاثنين ــ 21:30 على lbci)، ضمن القائمون عليه أن يتسمّر عدد كبير من الجمهور أمام التلفزيونات لمشاهدتها. كيف لا، والبرومو انحصر بمشاهد من التريلر الخاص بفيلم Fifty Shades of Grey (إخراج سام تايلور جونسون) الذي وصل إلى الصالات اللبنانية في عيد الحب.هكذا، راهن البرنامج على مبدأ Sex Sells، وبرز التناقض منذ اللحظة الأولى بين أداء «حكي جالس» وما حاول قوله لاحقاً لجهة عدم استغلال النساء وأجسادهن في الترويج.

«أناستازيا» (الممثلة داكوتا جونسون) طالبة أدب إنكليزي رقيقة وبريئة، تلتقي بـ«كريستيان غراي» (جايمي دورنان)، المليونير الشاب الذي «لا يؤمن بالرومانسية». إنّها قصة تقليدية أشبه بحكاية سندريلا أو روايات «عبير». يستغل «غراي» الصبية، محاولاً إقناعها بالتوقيع على عقد مكتوب توافق فيه على الخضوع له جنسياً، مع معاقبتها إذا أخطأت، في حين هي لا يحق لها حتى أن تلمسه من دون إذنه.
هذه هي باختصار قصة الفيلم الذي خُصص الجزء الأوّل من الحلقة له تحت عنوان «بين السّادية والمازوشيّة والجمعيّات النّسائيّة». بدايةً، عُرض تقرير عن قصة الفيلم، وبيّن تهافت الناس على صالات السينما، قبل أن يُطرح في الختام «السؤال الأهم»: «هل مجتمعنا اللبناني والعربي، الشديد التأثر بكل ما يراه في الأفلام، خصوصاً الأجنبية، قادر على تقبّل مادة كهذه؟ وماذا يحدث إذا أحب هذا المجتمع تطبيق المشاهد التي رآها على أرض الواقع؟ هل هو مجتمع جاهز وواعٍ؟». بعدها، استقبل جو معلوف الاختصاصية في الطب الجنسي ساندرين عطالله، والصحافية والناشطة في جمعية Fe-Male حياة مرشاد.
الأولى، أكدت أنّ مجتمعنا يفتقد إلى الوعي الجنسي، كما أنّه إذا كان المشاهد غير مهيّأ لأفلام كهذه، فهو لن يفهمها ولن يتمكن من معرفة مكامن الخطأ فيها، لا سيّما أن الفيلم ليس واقعياً، لأنّه «يخلط بين السادية والسادية الجنسية».
وفيما أشارت مرشاد إلى أنّ النساء اللبنانيات أمام القانون يعتبرن «مواطنات من الدرجة الثانية»، طرح جو معلوف عليها سؤالاً غريباً حول عدد النساء اللبنانيات اللواتي يتعرضن لـ«السادية والضرب أثناء ممارسة الجنس»، وكأنّ المسألة تقع في إطار تعنيف النساء. جولة الغرابة اكتملت مع جواب مرشاد نفسها التي راحت تتحدّث عن الاغتصاب الزوجي، رابطة بينه وبين الـBDSM (التفضيلات الجنسية). هنا، تدخّلت ساندرين عطالله لتوضح أنّ السادية المازوشية أثناء ممارسة الجنس لا تدل على اضطرابات نفسية في حال حصلت برضى الطرفين، لتشدد لاحقاً في سياق الحلقة على أهمية التربية الجنسية وتعزيز الوعي لدى الذكور والإناث.
علماً بأنّ الفن العالمي مليء بالنماذج التي تصوّر السادية المازوشية في العلاقات الجنسية بطريقة أعمق بكثير من تلك التي يصوّرها Fifty Shades of Grey (عُرض في لبنان لمن هم فوق الـ21 سنة). بعد تأكيدها أنّ هذه الأفلام تشكّل «خطراً» على الجيل الجديد، اعتبرت حياة مرشاد أنّه كان من الأجدى عدم السماح لـFifty Shades of Grey بالوصول إلى دور العرض اللبنانية، ردّاً على سؤال معلوف، لتعود وتقول إنّها لا تدعو إلى تدخّل الرقيب اللبناني بسبب احتواء العمل على مشاهد جنسية بل لأنّه «يظهر صورة سيئة عن المرأة، ويكرّس تعنيفها»، مستغربةً أنّ الحضور الذي استصرحه فريق «حكي جالس» في السينما لم يُلاحظ أي خطأ في علاقة الثنائي. الاستغراب انسحب على عدم استعانة الرقيب اللبناني هذه المرّة بالجمعيات النسوية والمختصين قبل السماح بعرض فيلم، «كما فعل مراراً»، على حد قول مرشاد.
وعند سؤال معلوف لها عن التناقض بين دعوة الجمعيات النسوية إلى الحرّية وتفضيل اللجوء إلى مقص الرقيب، لفتت الإعلامية والناشطة اللبنانية إلى أنّ الصوت في لبنان لم يُرفع جيّداً في وجه الفيلم كما حدث في مختلف دول العالم، بينما عارضت عطالله المنع لأنّ الحصول على الشريط ممكن بطرق شتّى.
هكذا، اعتبرت حياة مرشاد أنّ الحلّ في بلد يفتقد شعبه إلى الوعي والثقافة الكافيين على أصعدة عدّة هو المنع، متبنيةً بذلك الخطاب الرجعي نفسه الذي لطالما روّج له الأمن العام ومن ورائه المرجعيات الدينية والسياسية والاجتماعية. مرجعيات تتعاطى مع اللبنانيين كقاصرين، في غياب قانون عصري وواضح، وافتقاد المعايير التي تُحدّد أسباب المنع أو السماح بالعرض، وناسفةً أيضاً جهود مثقفين وحقوقيين ومواطنين وجمعيات عدّة تدعو إلى إقرار قانون جديد ينظّم الرقابة، ويكرّس معايير لتصنيف الأفلام حسب الفئات العمرية، تزامناً مع تنمية الوعي لدى المواطنين بدءاً من المدارس والجامعات.
ملاحظات كثيرة يمكن تسجيلها على هذه الفقرة، على رأسها التناقض الذي برز في حديث جو معلوف نفسه في كثير من الأحيان، لا سيّما في الخلط بين الاضطرابات النفسية والسادية الجنسية، وفي الحديث عن الرقابة. باختصار، لولا وجود ساندرين عطالله أمس لضاع المشاهد في دوّامة من المعلومات الخاطئة، ولذهب النقاش إلى مكان بعيد عن جوهر الموضوع.