كان من الصعوبة بمكان مقاومة الإحساس بالخَدَر يُثقل الحواس، أو الشعور بالتأرجح بين الصحو وأحلام اليقظة، عندما كان وزير البيئة محمد المشنوق، بصفته «المنسق الوطني للتنمية المستدامة»، يمطر الحضور في السرايا الحكومية الكبيرة يوم أمس بسيل الأهداف العامة جداً التي وضعتها «خارطة الطريق نحو الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة».
كانت القاعة المزدانة بالنقوش الحجرية والخشبية وبالزجاج الملون والثريات البديعة، كما أجواء الحضور الأنيق كما في حفلات العلاقات العامة، تعززان الشعور بالانفصام بين الكلام الوردي للمشنوق، وواقع التحلل الشامل الذي يعيشه لبنان على المستويات كافة.
يرمي مشروع الاستراتيجية الذي تعمل وزارة البيئة على إعداده، «بالشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني»، إلى جمع الاستراتيجيات الوطنية المتعددة في واحدة «شاملة، تجدول الأولويات الوطنية، ويكون مفهوم الاستدامة عنوانها». تضع «خارطة الطريق» جدولاً زمنياً «مبدئياً» لصياغة الاستراتيجية، يعطي «استقصاء الآراء حول الأهداف الاستراتيجية والمبادرات المقترحة» مهلة زمنية حتى منتصف شهر آذار الحالي، يليه إعداد مسودة الاستراتيجية، بمهلة تنتهي بحلول حزيران من العام الحالي، ثم «استقصاء الآراء حول مسودة الاستراتيجية وإصدارها بشكلها النهائي» بحلول شهر آب المقبل. تستند الاستراتيجية المنوي صوغها إلى «المخطط الشامل لترتيب الأراضي اللبنانية» و«الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه» وإلى «الخطة الاستراتيجية الوطنية لقطاع الكهرباء» و«خطة العمل من أجل الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي» و«استراتيجية وزارة الزراعة لأعوام 2015-2019» و«الاستراتيجية اللبنانية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة» و«استراتيجية السياحة الريفية».
تتحدث «خارطة الطريق» عن «إعادة تموضع لبنان كرسالة للعيش المشترك ونموذج للتنمية المستدامة»، وعن «توطيد التماسك الاجتماعي وتفعيل الحوكمة الصالحة»، محددة الاستقرار السياسي والأمن والسيادة كـ«شروط مسبقة» لتحقيق ما أمكن تخيله من أهداف، دون ذكر آليات محددة لتحقيقها. من تلك الأهداف «تأمين رأس مال بشري ويد عاملة ذات مستوى عالمي»، وتبني برامج تستهدف فئات بعينها، كالأطفال والشباب والمعوقين والعمال الأجانب وغيرهم، و»تعزيز دور المرأة والرعاية الصحية للجميع»! تطمح الاستراتيجية لـ«تأمين مقومات الحياة اليومية» من مياه وغذاء وصرف صحي وطاقة ونقل واتصالات، و لـ«إدارة الدين العام وإصلاح المالية العامة، وإعادة النظر في النموذج الاقتصادي (نحو) الاقتصاد الأخضر والاستهلاك والإنتاج المستدامين». وتحديث القطاعات الإنتاجية وتطوير أسواق المال، و«تفعيل الحوكمة الصالحة» بإنجاز «قانون معاصر» للانتخابات النيابية وإقرار اللامركزية الإدارية وتحديث القوانين وتعزيز القضاء وآليات المحاسبة و»إشراك العامة» بالمعلومات. ولا ينسى مشروع الاستراتيجية «تعزيز المحميات الطبيعية واستعادة التنوع البيولوجي».
«آخر همي مستدامة»؛ لا أحد يصدق الخطط إن لم تُقر الموازنات الخاصة بها، فكيف الحال في ظل عدم إقرار الموازنة العامة منذ سنوات، قال أحد الحاضرين. «فليعطوا البلديات حقها من الصندوق البلدية المستقل أولاً»، قال آخر. أما الناشط في «الحركة البيئية» بول أبي راشد، فأشار إلى أن «مخططات المياه (التي تسوقها مصالح خاصة) ماشية»، و»العمار فالت»، بهمة «مافيات البناء والعقارات»، وكذلك حال «مشاريع الزبالة»؛ لبنان برمته «فالت عالآخر»، قال أبي راشد، داعياً «لوقف التدمير» قبل الحديث عن مشاريع فضفاضة كهذه.