تفاديا للفراغ في منتصف الشهر الجاري، طلب وزير المال علي خليل، من خارج جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء امس، تعيين لجنة الرقابة على المصارف. سُجّل هذا الطلب لدى الامانة العامة للمجلس، وتضمّن اقتراحا محددا (بالاستناد الى القانون 28/67) يرمي الى تعيين كل من: سمير حمود (رئيسا)، احمد صفا، جوزف سركيس، طوني شويري ومنير اليان (اعضاء)، ولكنّ رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ارتأى التريّث في بتّ الطلب، ودعا الى «اجراء المزيد من المشاورات» للوصول الى «توافق»، من دون ان يكون احدا، في الجلسة او على هامشها، قد عبّر (حتى الآن) عن اي تحفّظ او اعتراض علنيين.
اكتفى وزير العمل سجعان قزّي باثارة اشكالية ممارسة اللجنة لمهماتها بعد تعيينها، لكون اعضائها ملزمين في القانون اداء القسم «بين يدي رئيس الجمهورية» (المادة 8)، مشيرا الى حالة الامتناع عن اعتماد السفراء الاجانب الجدد في ظل غياب رئيس الجمهورية. وتحدّث وزير السياحة ميشال فرعون عن «اصوات» تطالب بالتمديد للجنة، من دون ان يسمي «اصحاب هذه الاصوات»، او مبرراتهم، او يحدد السند القانوني الذي يجيز التمديد. من جهته، نبّه وزير المال مجلس الوزراء الى ان الجلسة المقبلة (اذا عقدت كالمعتاد يوم الخميس في 12 اذار الجاري) ستكون الفرصة الاخيرة لتعيين اللجنة العتيدة، والا فستدخل في الفراغ، موضحا ان التمديد للجنة الحالية غير متاح قانونا، وجازما انه لن يرتكب اي مخالفة للقانون، وبالتالي لن يقبل التمديد. وشدد على ان خيار تعيين لجنة جديدة هو الخيار القانوني «الوحيد»، ولا سيما ان «التمديد» لا يحل اشكالية اداء القسم، لان اعادة تعيين اعضاء اللجنة الحالية هي بمثابة تعيين جديد يخضع للشروط نفسها.
اللافت ان رئيس جمعية المصارف فرانسوا باسيل كان يعقد مؤتمرا صحافيا، في مقر الجمعية، في الوقت الذي كان فيه مجلس الوزراء لا يزال مجتمعا ظهر امس، وبدا واثقا بان التعيين لن يحصل اليوم (امس). وقال ردّا على سؤال: «معلوماتي ان مجلس الوزراء سيعيد تعيين اللجنة نفسها»، وبرر ذلك بعبارة مبهمة: «حفاظا على سمعة لبنان في ظل غياب رئيس الجمهورية». وردّا على سؤال آخر عن موقف الجمعية في حال فشل مجلس الوزراء بتعيين لجنة جديدة، او اعادة تعيين اللجنة الحالية، قال باسيل: «سيحصل فراغ، ما في مشكلة». (ربما) قصد (من دون ان يقول ذلك) ان ليس هناك مشكلة للمصارف بتكرار سيناريو الفراغ في عام 2010 عندما نقل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صلاحيات اللجنة اليه.

سلام ارتأى التريّث في
بتّ الطلب داعيا الى «إجراء
المزيد من المشاورات»


تتصرف جمعية المصارف كأنها هي صاحبة الصلاحية (لا وزير المال او مجلس الوزراء) باقتراح الاشخاص المكلّفين مراقبة المصارف واعمالها وتطبيق القوانين والانظمة والتعاميم عليها. وهي تمارس ضغوطا شديدة لمنع تعيين لجنة تضم اشخاصا لا تثق بولائهم لها (لا للقانون)، الا ان مصدرا مصرفيا واسع الاطلاع علّق على ذلك بالقول: «ان الامر يبدو اكثر تعقيدا»، وهناك معطيات يمكن ان تجعل المشهد اكثر وضوحا، منها:
- ان رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة لا يريد مرشح آل الحريري لرئاسة اللجنة سمير حمّود. فالعلاقة بين السنيورة وحمود لم تكن ودّية يوما، والسنيورة لا يزال مصرا على ترشيح مازن سويد بدلا من حمود.
- ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لا يزال متمسكا ببقاء عضو اللجنة الحالية امين عوّاد، وهو يلتقي مع السنيورة على رفض مرشّحي رئيس تكتل التغيير والاصلاح ميشال عون.
- ان رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان يلتقي مع السنيورة وسلامة والمصارف لتحقيق اهداف عدّة، منها تشديد المواجهة مع عون ومنعه من اكتساب اي موقع في ظل القدرة على تعطيل القرار في مجلس الوزراء.
يعتقد المصدر المصرفي ان رئاسة مجلس الوزراء خاضعة لحسابات كل هذه الاطراف، وهي تتصرف، عن قصد او عن غير قصد، كما لو ان المخرج يكمن في ترك اللجنة «تموت» بانتهاء ولايتها في 17 اذار الجاري، او جعل «موتها الحتمي» حافزا لفرض «تخريجة» تسمح باستمرار اللجنة الحالية بمهماتها، حتى لو كان ذلك يمثّل مخالفة فاقعة للقانون.
سبق ان اعلن وزير المال رفضه التمديد، ولكنه رفض ايضا الفراغ. فهل سيضطر الى التراجع عن احد هذين الموقفين؟ ام انه سيقرر المواجهة في «حلبة الصراعات الخفية» دفاعا عن صلاحياته المنصوص عليها في القانون؟ لا يمتلك الوزير خليل جوابا حاسما عن ذلك، فهو يصرّ على ان واجباته تقضي بالسهر على تطبيق القوانين، وبالتالي على تعيين لجنة جديدة قبل نهاية ولاية اللجنة القائمة، الا انه يعبّر صراحة عن انطباعاته «بان هناك من يفتعل العرقلة».
(الاخبار)