تأسست شركة «سوليدير» عام 1994، وحُدِّد عمرها بـ25 سنة. كان مفروضاً أن تنهي الشركة كل أعمالها قبل حلول عام 2019، ليصار إلى تصفيتها وإعادة توزيع موجوداتها. إلا أن الشركة «النافذة» تصرّفت منذ اليوم الأول كما لو أنها باقية كل العمر. حتى إن الحكومة تواطأت معها على المكشوف وقامت بتلزيمها أشغالاً وأعمالاً تمتد لفترات تتجاوز عمرها القانوني، منها إنشاء وإدارة وتشغيل واستثمار المرفأ السياحي الغربي، الواقع خارج نطاق وسط بيروت، لمدة 50 عاماً، أي ضعف عمرها القانوني.
يومها تحفّظ ديوان المحاسبة على هذا التلزيم، وكان جواب السلطات المعنية أنّ الشركة يمكن أن تطلب تمديد عمرها، إلا أنّ الشركة لم تضطر إلى ذلك حتى الآن، فقد وافق مجلس الوزراء في عام 2005 على اقتراح رفعه رئيسه (حينها) فؤاد السنيورة، يمنح الشركة 10 سنوات إضافية بموجب المرسوم 15909. أثارت هذه الخطوة اعتراضات كثيرة، وتقدّم أحد المساهمين في الشركة، رجل الأعمال فادي خوري، من مجلس شورى الدولة، بمراجعة لإبطال مرسوم التمديد وطلب وقف تنفيذه، إلا أنّ المجلس ردّ الطلب، مستنداً إلى أجوبة الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، الذي اعتبر أن الضرر «غير متوافر في المراجعة الراهنة».
يشكّك الكثيرون في استقلالية مجلس شورى الدولة عن مراكز النفوذ وشبكة المصالح. ولعل طريقة تعامله مع مراجعة صاحب السان جورج لإبطال المرسوم 15909 هي دليل إضافي على ذلك. فهذا المرسوم لم يستند إلى أي مبرّرات، ولم يقترن بدراسة تحدد الوقت الإضافي اللازم كي تُنجز الشركة فروضها. فقد تأسست شركة سوليدير عام 1994 بحجّة إعادة إعمار منطقة وسط بيروت. حدّدت مدّة عمل الشركة بـ25 عاماً على أساس تصميم توجيهي يستهدف ترتيب هذه المنطقة.
لم يتغيّر الكثير بين فترة تأسيس الشركة في عام 1994 وفترة صدور المرسوم 15909 في عام 2005، سوى أن الرئيس فؤاد السنيورة (حين كان رئيساً لمجلس الوزراء) اقترح تمديد عمر الشركة من 25 سنة إلى 50 سنة، نال سريعاً موافقة الوزراء بعد نقاش متواضع عن مدّة 10 سنوات بدلاً من 25 سنة إضافية، ليصبح عمر الشركة 35 سنة. طعن فادي خوري بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة، مطالباً وقف تنفيذه وإبطاله بالاستناد إلى الآتي:
ــ إن المرسوم مشوب بعيب تجاوز حدّ السلطة لمخالفته قواعد موازاة المعاملات الإدارية، ولا سيما أن المراسيم التي صدرت في إطار التصميم التوجيهي والنظام التفصيلي لمنطقة وسط بيروت التي حدّدت حدود عمل شركة سوليدير ونطاقها، كانت تسلك دائماً آلية واضحة، إذ كان يعرض الأمر على المراجع الآتية: مجلس الإنماء والإعمار، المجلس الأعلى للتنظيم المدني، مجلس بلدية بيروت، وزير الأشغال العامة، وزير السياحة، وزير المالية.
ــ إن المرسوم مخالف لأحكام المواد 50 و51 و52 من النظام الأساسي للشركة ولأحكام المواد 26 و27 و201 و203 من قانون التجارة، إذ إن تعديل المادة الرابعة من نظام الشركة (هذه المادة تتحدث عن عمر الشركة المحدد بـ25 سنة ابتداءً من تاريخ تأسيسها النهائي في 10/5/1994)، يتطلب بادئ ذي بدء دعوة المساهمين حسب الأصول إلى جمعية عمومية غير عادية، ثم يسلك مساره الاعتيادي ليصدر بمرسوم يستند إلى محضر الجمعية.
ــ المرسوم يفتقر إلى أيّ سبب أو تعليل جدّي وقائم يبرّر صدوره، سوى أنه اقتراح من رئيس مجلس الوزراء!

لم يجد مجلس شورى الدولة
أي ضرر من تمديد عمر «سوليدير» 10 سنوات إضافية


ــ المرسوم صدر لغير الغاية التي من أجلها خوّل القانون السلطة المختصة حق اتخاذه، إذ إن الهدف منه هو أداء خدمة خاصة إلى شركة «سوليدير»، ولا سيما أن المدّة الأساسية لم تنته وتبقى منها 14 سنة (في الوقت الذي قدّم فيه الطعن أي اعتباراً من عام 2005)، في حين أن المشروع الذي أنشئت لأجله الشركة وحدّدت مدته الأصلية قد شارف على الانتهاء ولم يبق منه قيد التنفيذ سوى 10% فقط.
ــ تستند المراجعة إلى أسباب جدية ومهمة، نظراً إلى الضرر الذي يلحقه التمديد بالمساهم المدّعي، إذ إن التعديل من شأنه أن يؤدي إلى استمرار الشركة إلى ما لا نهاية، رغم أن الغاية التي من أجلها أنشئت تكون قد تحققت وأصبحت عرضة للحلّ والتصفية ولتوزيع موجوداتها. وهذا الأمر منصوص عليه في المادة الـ64 من النظام الأساسي للشركة التي تشير إلى أنه «تنحلّ الشركة بانتهاء مدّتها المحددة في هذا النظام أو إذا استحال إتمام المشروع الذي أنشئت من أجله»، وبالتالي إن ذريعة تمديد عمر الشركة لإتمام المشروع لا يجب الأخذ بها، نظراً إلى أنّ هذه المادة تلحظ المشكلة والحلّ. وتمنح المادة 64 صلاحية اقتراح التمديد لعمر الشركة للجمعية العمومية غير العادية «ولا يصبح هذا القرار نافذاً إلا بعد تصديقه بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء».
هكذا يبدو واضحاً أن مسار مرسوم التمديد لعمر شركة سوليدير كان معاكساً لما ينصّ عليه نظامها الأساسي. لكن كيف استطاعت «سوليدير» أن تجنّد الدولة اللبنانية بكاملها في خدمتها؟
بداية الأمر كانت مع الأمين العام لمجلس الوزراء سهيل بوجي، الذي مثّل الإدارة المختصة في هذه المراجعة، أي مجلس الوزراء. قال بوجي في مطالعته، إن «المادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة نصّت على أن للمجلس تقرير وقف التنفيذ إذا تبيّن من ملف الدعوى أن التنفيذ قد يلحق ضرراً بليغاً بالمستدعي، وأن المراجعة ترتكز على أسباب جديّة ومهمة». بنى بوجي ردّه هذا على تشويه كل ما قاله المدعي. فقد قال إن خوري يدعي أن المرسوم أغفل التقيد بالمعاملات الجوهرية... «لكن المرسوم المطعون فيه بعد الاطلاع على بناءاته يتبيّن أنه قد صدر وفقاً للأصول القانونية... وبالتالي إن المدعي لم يستند إلى أساس قانوني سليم». ويضيف أن «أحكام مواد قانون التجارة وصلاحيات الجمعية العمومية غير العادية... كلها أحكام لا علاقة بها بمضمون المرسوم المطعون فيه، ما يستدعي معه ردّ السبب المدلى به». ويرى بوجي أن الإدارة التي أصدرت المرسوم ليست ملزمة بتعليل قراراتها، «إن غياب التعليل في متن العمل الإداري لا يعني أنه لا يستند إلى أسباب جدية... إن كل ما تدلي به الجهة المستدعية في هذا المجال هو أن المرسوم المطعون فيه يخدم الشروط الخاصة لشركة سوليدير على حساب القانون، وأنه قد وضع لغاية خدماتية وليس لتحقيق الصالح العام من دون أن تبيّن ماهية هذه الإدلاءات وكيفية إثباتها، ما يفترض معه أيضاً ردّ السبب المدلى به لهذه الجهة». كذلك، يقول بوجي إن شرط إلحاق الضرر البليغ بالجهة المستدعية «هو غير متوافر في المراجعة الراهنة، إذ إن الجهة المستدعية لم تبيّن أو تحدّد عنصر الضرر الذي لحق بها من جراء تعديل المادة الرابعة من المرسوم المطعون فيه وجعل مدتها 35 سنة بدلاً من 25 سنة».
«يعلّم» بوجي مجلس الشورى على كيفية إنهاء الملف بحجّة عدم توافر شروط وقف التنفيذ المنصوص عنها في المادة 77 من نظام مجلس الشورى. وهذا ما فعلته أيضاً أجوبة رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل أنطوان الناشف الصادرة بتاريخ 1 آذار 2006، فهو يقرّ بأن خوري يمتلك صفة للطعن لكونه مساهماً في الشركة، لكنه يرى أن «عنصر الضرر غير موجود وغير ثابت وغير أكيد، كما أن تعديل مدّة الشركة ليس من شأنه إلحاق الضرر بالمستدعي بصفته مساهماً في الشركة». كذلك كان ردّ إدارة «سوليدير» شبيهاً بمطالعتي بوجي والناشف وتكراراً لأقوالهما، ولو بعبارات وصيغ مختلفة.
ردّ خوري أنه متضرر من المرسوم للاعتبارات الآتية:
ــ المادة 64 من النظام الأساسي قضت بحلّ شركة سوليدير بانتهاء مدتها المحددة في النظام وهي 25 سنة.
ــ في أعقاب هذا الحلّ، وتعيين المصفين وانتهاء أعمال التصفية، تجري، سنداً للمادة 68 من النظام الأساسي، إعادة القيمة الاسمية للأسهم وللمساهمين، وما فاض يوزّع عليهم جميعاً بما فيه قسمة الحقوق العينية وتوزيعها عيناً عليهم بمن فيهم المستدعي.
ــ إن تمديد مدّة الشركة من 25 سنة إلى 35 سنة من شأنه إلحاق الضرر البليغ بالمستدعي، لأن إعادة القيمة الاسمية لأسهمه وحصوله عيناً على الحصّة التي ستعود له من قسمة الحقوق العينية، والإفادة مما يفيض عن القيمة الاسمية للأسهم وسواها من المنافع التي ستعود له بصفته مساهماً، سوف تتأخر عشر سنوات، ولا أحد يعلم ما قد يحصل خلال هذا الوقت من نتائج سلبية ما قد يكبّد المساهم خسارة كل المنافع بفعل هذا التمديد.
غير أن غانم أصدر قراراً إعدادياً في نيسان 2006 من دون أي تبرير واضح. قال في قراره: «لا يتبيّن من معطيات الملف أن الشروط المنصوص عنها في المادة 77 متوافرة في المراجعة الحاضرة». القرار الإعدادي أثار استغراب المطلعين الذين استفسروا: «هل قرأ غانم مطالعة المستدعي؟ أم أنه استمع إلى بوجي وأصدر قراره على هذا الأساس؟».
ورغم أن خوري ردّ على القرار الإعدادي، واضطر إلى إعادة شرح كل التفاصيل والدواعي التي تجعل منه متضرراً من القرار، إلا أن الملف نام في مجلس شورى الدولة مثله مثل باقي دعاوى خوري على قرارات أو مراسيم صدرت لمصلحة «سوليدير». ما حصل دفع أحد أصحاب الحقوق للتذكير بأن «سوليدير» تكرّست بقانون من مجلس النواب، وحصلت على ما تريده عبر عشرات القرارات الصادرة من مجلس الوزراء ومجلس الإنماء والإعمار وبلدية بيروت والتنظيم المدني، وبالتالي لا غرابة أن يكون نفوذها ممتداً إلى مجلس شورى الدولة.