في الطائرة نفسها، سافر إلى باريس أمس قائد الجيش العماد جان قهوجي ووزير الخارجية السابق جان عبيد. سبق لقهوجي أن أولم لعبيد قبل نحو عام، إلا أن علاقتهما الشخصية لم تتوطد كثيراً. ولا شك أن رحلة أمس كانت أطول 4 ساعات و40 دقيقة في حياة المرشحين الأبرز إلى رئاسة الجمهورية. يدرك قهوجي أن عبيد أكثر المتحمسين لنيل قائد فوج المغاوير العماد شامل روكز حقه بقيادة الجيش، على نحو يخرج قائد الجيش نهائياً من السباق الرئاسي. أما عبيد، وبعيداً عن لياقاته الاستثنائية، فيمكن التكهن بأنه كان طوال الرحلة يضحك في سره لعلمه أن التحدي بالنسبة لقهوجي لم يعد الفوز برئاسة الجمهورية إنما الحفاظ على كرسي اليرزة.
يذهب قهوجي إلى باريس، بعد تحديد فرنسا موعداً نهائياً لتسليم الدفعة الأولى من الأسلحة الفرنسية في 20 و21 نيسان، متكلاً على تيار المستقبل للوقوف في وجه الحملة العونية لمنع التمديد له في قيادة الجيش. وقد تبلورت أكثر، في الأيام القليلة الماضية، مواقف الأفرقاء من هذا الاستحقاق. ففي تيار المستقبل ثمة كتلة كبيرة تؤيد التمديد لقهوجي يتقدمها منسق التيار أحمد الحريري والنواب باسم الشاب وهادي حبيش وأحمد فتفت. وكان لافتاً تهافت النواب المقربين من الرئيس فؤاد السنيورة إلى إصدار بيانات تؤيد التمديد، رغم أن إخراج قهوجي من اليرزة، وبالتالي من السباق الرئاسي، يفيد المرشحين الرئاسيين الأقرب إلى السنيورة. وفي المقابل، بدأت تبرز أصوات مستقبلية، يتقدمها نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، تؤيد وصول روكز إلى قيادة الجيش. وبعيداً عن العنتريات، تشير معلومات «الأخبار» إلى سعي الحريري للانطلاق من الاستحقاق الرئاسي في البحث عن مقاربات تفتح أبواب الاستحقاق الرئاسي بدل أن تقفلها. فرفع سن تقاعد الضباط يؤدي، في حسابات المستقبل، إلى رفع سن الفراغ الرئاسي. ويشرح أحد النواب المستقبليين أن الطرح العوني يقضي بتعيين روكز قائداً للجيش مقابل تعيين قائد فرع المعلومات العميد عماد عثمان مديراً لقوى الأمن الداخلي، بمعزل عن الاستحقاق الرئاسي.

الجنرال سيعتبر
نفسه فائزاً إذا ضمن رفع سن التقاعد



إلا أن تيار المستقبل يتطلع إلى حل متكامل، يشمل رئاسة الجمهورية وقيادة الجيش وقانون الانتخابات ورئاسة الحكومة والحقائب الوزارية الأساسية: استحقاق القيادة مناسبة لجلوس مختلف الأفرقاء حول طاولة واحدة لبت جميع الملفات.
أما الرئيس نبيه بري، فنأى بنفسه عن المعركة العونية: أكد أنه مع تعيين قادة أمنيين جدد إرضاء لعون، ومع التمديد في حال تعذر التعيين إرضاء للمستقبل. ولا يمكن العونيين، بالتالي، التعويل على رئيس المجلس. وسرعان ما تبنى النائب وليد جنبلاط موقف بري بحرفيته، مضيفاً لـ «الأخبار» تأكيده أنه «لا يريد الاختلاف مع عون. لا مشكلة إذا كان هناك اتفاق بشأن روكز، أما قهوجي، فأداؤه جيد وتعاطى بمسؤولية مع التحديات التي واجهت الجيش». ويضيف: «تنتهي ولاية قهوجي في أيلول، قبل شهر من تقاعد روكز. وعليه لا شيء ملحّاً اليوم، ويمكن هذا الملف أن ينتظر».
من جهة حزب الله، التأييد تام للاتفاق بين عون وتيار المستقبل بهذا الشأن، أو إيجاد مخرج يرضي الجميع. أما الكتائب والقوات والمردة وسائر القوى السياسية، فتراوح مواقفها بين التمديد الانتقائي للضباط ورفع سن تقاعد جميع الضباط. لا أحد بين القوى السياسية ــــ غير العونيين ــــ يقول إن انتقال روكز من رومية إلى اليرزة أولويته في هذه المرحلة. وهذا يضعف موقف روكز ويسيء إلى مسيرته؛ فهو تدرج في المؤسسة العسكرية بفضل كفاءته الشخصية، ويرى الكثير من زملائه أن من حقه تتويج مسيرته بالوصول إلى قيادة الجيش، دون أن يكون لمصاهرته مع عون أي علاقة.
في النتيجة، لا تبدو إيجابية آفاق المساعي العونية لتعيين قائد جديد للجيش. فخلافاً لما تسوّقه بعض الأوساط العونية، لن تندفع الرابية إلى معركة كسر عظم مع أي من الأفرقاء السياسيين قبل بت الاستحقاق الرئاسي، ولن تقدم الرابية في الوقت نفسه أي تنازل مهما كان الثمن قبل بت الاستحقاق نفسه. لا كسر عظم ولا تنازل؛ لا بدّ من تسوية إذاً. قيادة تيار المستقبل لا تمانع الموضوع بالمبدأ، إلا أن تليين الجنرال موقفه اليوم سيؤدي إلى قفز القوى السياسية فوقه، تمديداً لقهوجي وإخراجاً لروكز. الأمر الذي سيضطره إلى إبقاء صوته مرتفعاً والاستمرار في محاولة حشد حلفائه إلى جانبه؛ لا للتخلص من قهوجي إنما لضمان إقرار قانون رفع سن تقاعد الضباط. طموح الجنرال تعيين روكز اليوم قائداً للجيش، لكنه سيعدّ نفسه فائزاً إذا ضمن رفع سن التقاعد، فلا هو يتأثر كمرشح إلى رئاسة الجمهورية ولا روكز يتأثر كمرشح إلى قيادة الجيش.