يبدو أن الأدوات الدعائية السعودية للعدوان على اليمن، تعيش هذه الأيام حالة من الوهن والضعف في تثبيت الترويج لـ «عاصفة الحزم». ولا شك في أن قناة «العربية» تعدّ اليوم إحدى هذه الأدوات، بل رأس حربة لهذا العدوان. طوّعت القناة كل الوسائل الإعلامية الحديثة للسيطرة والهيمنة على الفضاء وضخ المعلومات. وآخر «التحديثات» إن صح التعبير، تخصيص برنامج «مرايا» الذي يقدمه الصحافي السعودي مشاري الذايدي للحديث عن «عاصفة الحزم» وتداعياتها.
ضمن 10 دقائق، يقدم الذايدي رأيه السياسي الذي يخدم طبعاً سياسات المملكة. من خلال المتابعة، يبدو الصحافي السعودي الذي تمرّس في صحيفة «الشرق الأوسط» غير متمكن من العمل على الشاشة، عدا أن البرنامج نفسه يعدّ خروجاً على الأصول المهنية كونه يقدم رأياً واحداً في غياب المحاور (إن سلمنا جدلاً بخوض «العربية» للعمل المهني).

ومع كل هذا الفضاء «الرحب» لنشر وفبركة ما تريد، استعانت القناة السعودية بأدوات لبنانية للمساندة. هكذا بدأت منذ 30 مارس عرض البرنامج الساخر DNA الذي يقدمه نديم قطيش على شاشة «المستقبل» عبر إعادة بث حلقاته شبه اليومية على موقعها الإلكتروني «العربية نت» وعلى باقي حساباتها الإفتراضية على الشبكة العنكبوتية. وفي هذا التاريخ بالتحديد، قام الموقع أيضاً بإعادة نشر مقالات قطيش التي يكتبها عادة لموقع «المدن»، واستهلّها بمقال «حرروا الشيعة العرب».

في حقيقة الأمر، لم تأت هذه الاستعانة مصادفةً. الطرفان بحاجة إلى بعضهما في هذه المحنة الإعلامية الحالية. خطاب أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصر الله في 27 مارس الماضي عن العدوان على اليمن، ما زال صداه يتردد في أروقة مطابخ الإعلام السعودي. هكذا، وجدت «العربية» في حلقة قطيش عن هذا الخطاب (بالمناسبة بثت يوم السبت استثنائياً للتعليق) رجلاً يتمتع بسقف عال للهجوم والسخرية، ويزيل في الوقت عينه أي مسافة بينه وبين شخصية عامة سياسية مثل السيد نصر الله، كاسراً حتى اللياقة في المخاطبة، حتى خيل للمشاهد أن بين السيد وقطيش علاقة «خوش بوش». هذا من جهة، أما من جهة أخرى، لم يوفر قطيش نفسه من تقديم أوراق اعتماد للمحطة. نفخ بما فيه الكفاية بها وبصنعها «للمشهد الإعلامي العربي الحديث»! وبارك لها «هشتقة» شاشتها في 30 مارس الماضي. أحبت «العربية» أن ترد له هذا الكرم بمثله، فاستضافته في استوديواتها في دبي يوم الخامس من نيسان (أبريل) الماضي تحت عنوان «تداعيات عاصفة الحزم حملة إعلامية في بيروت»، كأحد الوجوه «المثقفة» اللبنانية الرافضة للحملات التي تشّن ضد المملكة. اللافت في هذه المقابلة بالتحديد طلب قطيش من السعودية تكثيف حضورها في لبنان «لإحداث توازن إعلامي في وجه إعلام ميليشيات إيران العسكرية والسياسية». يكفي هذا الطلب لمعرفة حقيقة المأزق الذي يعيشه الإعلام السعودي اليوم. تحدث قطيش عن غياب الحجة واستخدام لغة الشتائم لدى فريق «الممانعة»، فيما الواقع أنّ الإعلام السعودي هو من يقوم بهذا الأمر عبر تفجير غضبه وحقده واستخدامه للغة طائفية بغيضة. مثلاً، بثت القناة السعودية الرسمية أول من أمس فيلماً وثائقياً بعنوان «إيران..الأصابع الخفية» وصفت فيه السيد نصر الله بـ «حسن زميرة» (البوق) وقامت ببث خطاب تحريضي ضد إيران.

في المشهدية الكاملة: العدوان على اليمن تقوده السعودية بمساندة دول عربية وخليجية، فما الحاجة الى الاستعانة بلقطات من خطابات للسيد نصر الله يتم التلاعب بسياقها لتصب في خدمة سياسة المحطة؟. فأول من أمس، بدأت «العربية» ببث مقاطع صغيرة مخصصة فقط للسيد وفيها تقوم المحطة بإجراء مقارنة في ملفات عديدة قاربها في خطاباته. على سبيل المثال، تضع العدوان على اليمن في مصاف الحديث عن الأزمة السورية لتبين ما تسمّيه سياسة الكيل بمكيالين التي يتبعها أمين عام «حزب الله». ولعل أبرز سقطات القناة سجلت في هذا المجال هي الإيهام بأنّ نصر الله يدعو الصهاينة لأن يعيشوا مع الفلسطينيين في أرضهم، عندما بث مقطع صغير يقول فيه إن «المسلمين واليهود» في نهاية المطاف سيعيشون في دولة واحدة، من دون إجراء تفرقة بين الطائفة اليهودية والصهاينة المحتلين في محاولة لتفريغ المقاومة ضد الصهاينة والقول بأن الحزب لا يحمل قضية فلسطين.
وبالعودة الى كل ما تم سرده حتى الآن، لا يمكننا الا الاستتنتاج بأن الإعلام السعودي اليوم يعيش في مأزق حقيقي. إنّه كمن يغرق ويتمسك بقشة للإنقاذ، فيستعين تارة بأدوات لبنانية، ويلجأ طوراً إلى لعبة المونتاج والتوليف لخطابات السيد نصر الله (اللبناني) كي يقنع الجمهور بأنه على صواب. لكن هل نجح، ذلك هو السؤال.