على هامش الاجتماعات التي عقدها ابان زيارته العاصمة اللبنانية، للاشراف على تسليم دفعة الاسلحة الفرنسية الى الجيش، قال وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان: «المؤسسة العسكرية اللبنانية بقيادتها وأجهزتها الاستخبارية قامت، ولا تزال، بعمل ايجابي وجدي واحترافي في مجال مكافحة الارهاب. هذا هو الهمّ الكوني اليوم».
أصغى الى العبارة عسكريون وسياسيون، واعتبروا انها ــــ من بين ايحاءات اخرى ــــ احدى الاشارات الايجابية المتلاحقة في الفترة الاخيرة، تتوخى تشجيع تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي في الوقت الحاضر. ربط الوزير الزائر بين القيادة ودور الاجهزة الاستخبارية، وانتهى الى خلاصة واحدة تدعم المهمة الحالية للجيش في مواجهة الارهاب.
مذ بوشر السجال حيال بقاء قهوجي قائداً للجيش، لم يتوقف الخوض في خيارات بديلة كالاصرار على مجلس الوزراء تعيين خلف له، او البحث في اقتراحات تبدو بمثابة تعويض عما وُصف بأنه تمديد للقائد في منصبه، اخصها مشروع قانون رفع سن تقاعد العسكريين.
اكثر من سبب يواجهه مشروع القانون، وهو لما يزل في ادراج الامانة العامة لمجلس الوزراء منذ 31 كانون الاول 2014، دونما انتقاله الى جدول أعمال مجلس الوزراء. بعض الاسباب ان رئيس الحكومة تمام سلام ينتظر التوافق المسبق عليه، وبعضها الثاني ان الرئيس ميشال عون لم يقل كلمته فيه رغم ان الافرقاء الآخرين جميعاً، تقريباً، يؤيدونه كالرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري والنائب وليد جنبلاط وحزب الله والاحزاب المسيحية، وبعضها الثالث ان قهوجي نفسه ــــ وهو واضعه ــــ يتحفظ عن اقراره في الوقت الحاضر في مجلس الوزراء.

تأجيل تسريح قهوجي في
حكم لزوم ما لا يلزم من جراء صرف النظر كلياً عن تعيين خلف له


يكمن تحفظ قائد الجيش، تبعاً للمطلعين على موقفه عن قرب، في توقيت إقرار مشروع القانون وليس في مبدأه، ويفضّل بته بعد ثلاث سنوات على الاقل. يستند في حجته الى ان رفع سن التقاعد للضباط ثلاث سنوات سيؤدي الى تحميل المؤسسة العسكرية حتى عام 2017 اكثر من 450 ضابطاً كبيراً برتبة عميد، يكونون في الخدمة بفعل تمديد سن التقاعد او الترقية. وهو عدد لا طاقة لها على تحمّله، وايجاد مواقع ووظائف لهؤلاء نظراً الى رتبهم العالية. ناهيك بأنهم سيحرمون في السنوات الثلاث المقبلة كمّاً من العقداء من الترقية الى رتبة عميد، فيما العدد الحالي للعمداء اليوم يقارب 200، وهو رقم مرتفع بدوره. الا انه سيؤدي ايضا بعد خمس سنوات الى مشكلة معاكسة، تنجم عن شغور كبير متوقع في هذه الرتبة تصل الى تقاعد 300 عميد على الاقل، مردها الى تقادم الزمن مذ توقفت المدرسة الحربية عن تخريج دفعات من تلامذتها ما بين عامي 1989 و1993.
بذلك يفضّل قهوجي ابطاء الخوض في مشروع يشمل العسكريين جميعاً بلا استثناء وانتقاء، من رتبة جندي الى رتبة عماد، الا انه يفضي الى تخمة لا مبرر لها من دون ان يكون في وسع المؤسسة العسكرية ــــ ولا من ثمّ الخزينة اللبنانية ــــ اقتراح حوافز لتشجيع الضباط على الاستقالة طوعاً على غرار حالات شتى شهدها الجيش للمرة الاولى عام 1977، وتكررت في ما بعد مراراً بدءاً من عام 1983.
على طرف نقيض من تجميد الخوض في رفع سن تقاعد العسكريين حتى اشعار آخر، لا يواجه تأجيل تسريح قهوجي للمرة الثانية عقبات جدية. بل يبدو في حكم لزوم ما لا يلزم من جراء صرف النظر كليا عن تعيين قائد جديد للجيش في الوقت الحاضر. ومع ان افرقاء معنيين يسعون الى تسويق رفع سن التقاعد على انه حل وسط بين المؤيدين لبقاء قهوجي في منصبه ومعارضيه، الا ان اسباب التجميد تبقى اياها. ناهيك بأنه يفضي الى النتيجة نفسها، وهي استمرار القائد الحالي سنة ونصف سنة في منصبه. الامر الذي يرفضه رئيس تكتل التغيير والاصلاح لسببين على الاقل:
اولهما، ان رفع سن التقاعد للعسكريين جميعاً يشرّع وجود قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية ويبقيه، ويبدد الاعتراضات والشكوك في قانونية تأجيل تسريحه وان لسنة ونصف سنة.
ثانيهما، احراج يجبه عون من جراء مشروع يصبح هو اول المستفيدين منه وصاحب المصلحة الشخصية المباشرة، اذ يبقي قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز في الخدمة ثلاث سنوات جديدة، ومن ثمّ في دائرة احتمال تعيينه خلفا لقهوجي على رأس المؤسسة العسكرية.
مع ذلك لا احد من الافرقاء المعنيين يتوقع ابصار رفع سن التقاعد النور في مجلس الوزراء قريباً. بيد ان بضعة احاديث في اوساط مسؤولين سياسيين وعسكريين تتداول اقتراحا لم يصر تماما الى بلورته، مؤداه اصدار وزير الدفاع سمير مقبل، بناء على اقتراح قائد الجيش، قرارا يقضي بتأجيل تسريح 12 ضابطا برتبة عميد، يراعي التوازن السياسي والمناصفة بين المسيحيين والمسلمين ــــ وقد يرتفع العدد كي يستوعب ضباطا سواهم موالين لزعماء آخرين ــــ يعوّض صرف النظر عن رفع سن التقاعد في الوقت الحاضر.
لا احد يجهر بأبوّة هذه الفكرة المتنقلة بين اكثر من طرف. تعوّل على استنساب وانتقاء بلا معايير محددة. الا انها تبقي بعض الضباط المعنيين بالجدل السياسي الدائر حاليا، كقائد فوج المغاوير على الاقل، في لائحة قرار وزير الدفاع.