بغداد | رحل أخيراً فنّان الهمّ الاجتماعيّ والانكسارات العراقيّة، والرسّام بحذاقة أبناء البصرة. إنه محمّد مهر الدين (1938- 2015)، الذي توفي في عمان إثر سكتة قلبيّة، وشيّع جثمانه أمام السفارة العراقيّة في العاصمة الأردنية أمس، قبل أن ينقل جثمانه لاحقاًإلى بغداد ليدفن هناك.خلال تلك السنوات، تطوّرت رحلته الفنيّة وتصدّرت المشهد مع روّاد آخرين يماثلونه في المكانة.

ما بين ولادته في البصرة، ودراسته في بغداد («معهد الفنون الجميلة»)، ثمّ في وارسو («أكاديمية الفنون») حيث نال الماجستير، وعودته إلى العاصمة العراقيّة حتّى مغادرتها إلى عمان عام 2003، شهدت تجربته تحولات كبيرة واستثنائية. جسّد مكان نشأته وبيئته، واستثمر الكرافيك في الرسم، ووظف الكولاج في لوحاته. هكذا شهدنا تجريباً مختلفاً قدّمه مهر الدين مستعيناً بموادّ شتّى، فلجأ إلى الرمل وقطع المعادن وبعض الأخشاب. الصور الفوتوغرافيّة المتضرّرة أيضاً شكلت عنصراً اساسياً مستعملاً إيّاها في «التحزيز»، لتظهّر حالات واقعية واتجاهات عامّة للحراك الاحتجاجيّ في العالم منذ ستينيات القرن الماضي. هي جزء من أدائه الفني الذي أراد أن يوصل عبره نبرته اليساريّة في انتقاد حروب بعيدة في العالم، كما في فيتنام مثلاً. آخر مراحل مهرالدين كانت مع اشتغاله الثاني على طريقة توظيف اللون في اللوحة. وفيها جمع تجسيد لونيّ خاصّ به مع ترجمة لنظرته إلى الواقع، تحديداً أجواء الحرب والاقتتال التي يعاني منها بلده وبسببها غادره بعد نيسان العام 2003.ظلال المأساة العراقيّة حاضرة في أعماله وفي عناوين معارضه التي يقيمها. خلّفت صرخته صدى في أرقام وتشقّقات وحروف وخطوط تستدعي أكثر من قراءة، كما في أعمال من نتاج العام 2013. في هذه الأعمال نرى بغداد محاطة بأيادٍ ووجوه تطفح بالوحشية، جمعها في معرض «حرب قذرة» («غاليري الأورفلي» في عمان عام 2014). يومها ضمّ أربعين لوحة لم يتردّد فيها من تسمية الأشياء بسمياتها، بعبارات صريحة توسّطت أكثر من لوحة؛ «قتل وتهجير...»، و«سرقة الآثار»، و«تذكّر أغنية Babylon من النيل إلى الفرات». عبارات لم تخف أبداً شعور الفنّان الداخليّ باليأس والغربة المُرّة، حتى في اللوحات بالقلم الرصاص. لكنّ خطابه السياسيّ في هذا المعرض، كان أكثر وضوحاً في الإعلان عن رفضه الشخصيّ لشنّ الحرب على العراق من أجل بثّ الديمقراطية في ربوعه. صحيح إنّه في بدايته تأثّر بتجارب من بولندا واسبانيا وأساتذة أجانب في «معهد الفنون الجميلة» في ببغداد، إلا إنّه وبلوحاته الأخيرة التي كانت جديدة في تقنياتها، بدا كأنّه يقدّم نفسه للجمهور لأول مرّة، عبر أدوات تقودك إلى قناعة انّه محمّد مهر الدين بخصوصيته التي لا تجد لها تناصاً مشابها في أعمال وتجارب ثانية.

الموقع الشخصيّ للفنّان
http://www.muhraddin.com/index.htm