ليس العبث الصبياني وحده بأحد أبرز نصوص المسرح السوري في سبعينيات القرن المنصرم، ما أثار سخطنا، خلال حضورنا عرض «بالشمع الأحمر» على خشبة «مسرح القباني» في دمشق. النص الذي اقتبسه وأخرجه باسل طه عن «احتفال ليلي خاص في ديرستن» للكاتب الراحل مصطفى الحلاج، ذهب بعيداً في تمزيق القماشة الأصلية للمسرحية تحت بند التجريب.
تدور أحداث النص الأصلي في ألمانيا خلال صعود النازية، وما خلفته الحرب في نفوس البشر، تحت وطأة عذابات تلك الحقبة العاصفة. لا تكفي فكرة الحرب المشتعلة في البلاد اليوم، لتبرير اقتباس هذا النص الفكري الثقيل وتحويله إلى عراضة شعبية هزيلة تليق بفرقة هواة من الأزقة الخلفية لمسارح الحارات عبر استعراضات راقصة، أقرب ما تكون إلى تمارين الليونة منها إلى الرقص التعبيري، وقفشات سطحية، وميوعة تنطوي على استسهال صعود خشبة، كانت يوماً ما، قد شهدت ولادة المسرح التجريبي في شراكة خلّاقة بين المسرحيين الراحلين سعد الله ونوس وفواز الساجر. ذلك أن هذا العرض يتكئ على الميراث نفسه، طالما أنه حسب بروشور العرض يقام تحت يافطة «المسرح التجريبي». ما فعله باسل طه ورفاقه تسلية شبابية تجري في حانة، فتُحتجز المجموعة في المكان هرباً من قصف مباغت، ثم لا نعلم كيف انتهى بهم الأمر إلى الانتحار الجماعي، بعد «مكابدات» فكرية سمجة، تتخللها بين حينٍ وآخر، رقصة، أو أغنية، أو خناقة. لن نجد ممثلاً محترفاً في العرض، ولا مخرجاً متمكناً، ولا ديكوراً لافتاً، لكننا، في المقابل، بالكاد نتسلل إلى الصالة، لفرط الزحام. وبالكاد نجد أحداً من جمهور المسرح القومي. مراهقون وجمهور مباراة كرة قدم ربما، نظراً للضجيج وأصوات رنين المحمول. نسأل عن السّر، فنكتشف أن بطلة العرض مذيعة مشهورة، سبق أن خاضت سباق «غينيس» على الشاشة، وأن بطل العرض مصوّر تلفزيوني ميداني، والمخرج متعدّد الكارات، تمكّنوا (فايسبوكياً) من جلب هذا الجمهور الغفير في حملات متتالية على الموقع الأزرق. هكذا أمضينا العرض وقوفاً، وضاعت علينا بهجة السينوغرافيا، ودلع ممثلة أخرى، وبعض فلسفة مثقف أتى لحضور أمسية شعرية فوقع في شباك سجال فكري ساخن. سنفكّر مرغمين، طالما نحن في ضيافة المسرح التجريبي بعروض فواز الساجر التي شهدتها الخشبة نفسها «رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة»، و«يوميات مجنون»، و«ثلاث حكايات»، وعرضه الأخير «سكان الكهف». كما سنستعيد آخر ما كتبه المخرج الراحل على قصاصة وُجدت في جيبه بعد موته «تفكيرنا ضيّق، مصيرنا ضيّق، موتنا ضيّق، قبرنا ضيّق، افتحوا الأبواب والنوافذ، سيقتلنا الضيق».
«بالشمع الأحمر»: حتى 11 أيار (مايو) ــ «مسرح القباني» (دمشق)