القاهرة | تمنّى المصريون طويلاًُ أن يكون لديهم «رئيس سابق» فأصبحوا ثلاثة، حسني مبارك ومحمد مرسي وعدلي منصور. لكن الأول عاد ليكون محطّ أنظار الإعلام المصري، بشكل يفرض تساؤلات عدّة حول ردّة فعل الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. لو لم تقم "ثورة يناير"، لظلّ مبارك في الحكم حتى يصبح الرئيس الراحل كما إعتاد المصريون قبله. لكن الثورة فرضت أن يكون الرئيس «سابقاً». وبعد مبارك وفترة حكم المجلس العسكري، صار محمد مرسي رئيساً معزولاً، وعدلي منصور أنهى فترة الرئاسة المؤقّتة، وباتت في مصر 3 شخصيات دفعة واحدة دخلت قصر الإتحادية وما زالت على قيد الحياة.
إستلم عبد الفتاح السيسي القصر، فيما قبع مرسي خلف الأسوار، وإلتزم منصور الصمت بعدما عاد رئيساً إلى المحكمة الدستورية. يحاول مبارك العودة إلى الأضواء، ما يزيد حالة الإحتقان الشعبي، خصوصاً لدى هؤلاء الذين يكرهون سنوات حكمه وثاروا عليه حتى خلعوه، أو من الذين يؤيّدون السيسي ويرون في ظهور مبارك منافسة غير متوقعة للرئيس الذي ما زال يحاول تثبيت دعائم حكمه، وسط ضغوط داخلية وخارجية لا حصر لها. عودة مبارك إلى المقدّمة جاءت مطلع الأسبوع الجاري عندما أجرى مداخلة هاتفية إستمرّت 14 دقيقة على قناة «صدى البلد» مع الإعلامي أحمد موسى في مناسبة «عيد تحرير سيناء». هكذا كأنه ما زال في الحكم، يخرج مبارك ليذكّر الناس بإيجابيات عهده وهي عودة سيناء للسيادة المصرية كاملة عام 1982. المذيع الموالي له منذ البداية لم يعد يناديه بسيادة الرئيس كما فعل بعد مداخلة يوم الحصول على البراءة، لكنه لم يسأله عن شعوره وكون التحرير تمّ بناء على إتفاقية وقعها سلفه محمد أنور السادات. وعن ردّه حول إنتقادات تقول بأن سيناء في عهده ظلّت فارغة فلم يملأها إلا الإرهاب الذي يعانيه المصريون حالياً، ترك موسى الهواء لمبارك ليتكلّم عن إنجازاته وشعوره الوطني بالفخر لإستعادة شبه الجزيرة المحرّرة من الإسرائيليين. لكن الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي تكلّم 9 دقائق فقط في خطاب رسمي لم يحقّق الإنتشار نفسه الذي حازته مداخلة مبارك. من جهة أخرى، تصاعدت أصوات إعلامية تعارض التدهور العام في أداء حكومة السيسي، وكان لافتاً أنها نفسها التي أيّدت وصول المشير إلى الحكم، منها إبراهيم عيسى، ويوسف الحسيني، ولميس الحديدي وعمرو أديب. في السياق نفسه، سافر السيسي إلى قبرص واسبانيا من دون وفد إعلامي مرافق، باستثناء قناة واحدة هي «صدى البلد» ومذيع واحد هو أحمد موسى. السبب المعلن أن الرئاسة لا تتحمّل نفقات سفر الإعلاميين في القطاع الخاص، وأن القنوات لم تعد قادرة على دفع تلك النفقات بسبب الأزمة الطاحنة التي تمرّ بها. لكن النتيجة التي ظهرت أمام الرأي العام أن المذيع الوحيد الذي تقف وراءه قناة متماسكة مادياً هو نفسه المؤيّد لنظام مبارك، لتنطلق تسريبات تؤكّد أن الرئيس المخلوع تلقى عروضاً لتسجيل سيرته الذاتية من قنوات مصرية وعربية، إستغلالاً لحالة الجدل التي تنطلق كلما تكلّم مبارك فيما العزوف الجماهيري بات واضحاً عما يقوله السيسي. حصار إعلامي ربما لم يتوقعه أكثر من 20 مليون مصري انتخبوا الرئيس الحالي قبل عام تقريباً. حصار يبدو أن السيسي لا يفعل شيئاً –حتى الآن- للفكاك منه.