رغم اهتمامها الدؤوب بالأزمة السورية ورفع نبرتها في دعوتها الرئيس بشّار الأسد إلى التنحّي، مع دخولها طرفاً مباشراً في السباق المحموم بين الحلّ الأمني والحلّ السياسي، نظرت واشنطن إلى تداعيات تلك الأزمة على حزب الله الذي يظلّ يمثّل لها خطراً رئيسياً على استقرار المنطقة. وفي سلسلة ملاحظات أبداها مسؤولون في الخارجية الأميركية، وسمعها أخيراً زوّار لبنانيون، تحدّثت واشنطن عن عدد وافر من المشكلات بدأ حزب الله، يواجهها وتدفعه إلى مباشرة البحث عن خيارات جديدة وآلية مختلفة لها.وتتركز المشكلات هذه، بحسب المقاربة الأميركية، على مصير تحالفات الحزب إقليمياً ومحلياً في ضوء مفترقات جديدة وخطيرة تواجهها سوريا وإيران وأفرقاء لبنانيون قريبون منه أو بعيدون عنه. كذلك الأمر رهاناته في لبنان منذ سيطر على الغالبية النيابية، وتمكّن من القبض على الحكومة اللبنانية ووضع كثير من قراراتها في يده .
وتبعاً للانطباعات التي خرج بها الزوّار اللبنانيون من الخارجية الأميركية:
1 ــــ تعتقد واشنطن بأن حزب الله بات متيقّناً من أن الأسد سيخرج منهكاً من النزاع المفتوح بينه والمعارضة السورية في حال تمكّن من الصمود . وهو إن استطاع البقاء سنة إضافية في الحكم، فلن يكون في وسعه الاستمرار حتى نهاية ولايته عام 2014 ، نظراً إلى وطأة الضغوط السياسية والاقتصادية التي يواجهها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وتصاعدها التدريجي .
ويلتقي الأميركيون في وجهة النظر هذه مع الأوروبيين بإصرارهم على أن حكم الرئيس السوري مسألة وقت ليس أكثر، من غير أن يحدّدوا البراهين التي تمكّنهم من الوثوق بسقوطه . إلا أنهم يعوّلون على وزر العقوبات الاقتصادية التي تتأخر في ظهور نتائجها، لكنها تظهر في كل حال وتجعل الرئيس السوري في حرج حقيقي، عندما تمسّ الطبقة التي لا تزال تدعم حكمه، وهم أصحاب المصالح الاقتصادية التي يمثلها السنّة الدمشقيون والمسيحيون الحلبيون .
ولا يميل الأميركيون إلى توقع انهيار الأسد بضربة عسكرية من الخارج على الطريقتين العراقية أولاً ثم الليبية، ولا بالانهيار من الداخل نظراً إلى ضعف قدرات المعارضة وعجزها عن أداء هذا الدور، فضلاً عن سيطرته على الجيش السوري وإمساكه بزمام قيادته على نحو غير مألوف في أنظمة مماثلة .
والواقع أن الأميركيين لا يرون أوجه شبه بين الجيشين التونسي والمصري اللذين حملا الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك على التنحّي . وينظرون بكثير من الاهتمام إلى الدوافع التي حالت حتى الآن دون نجاح الرهان على دور مستقل للجيش عن النظام وحزب البعث، وعن رئيس الجمهورية خصوصاً، بالتخلي عنه، أو تعرّضه لانشقاق مدوّ على أبواب الشهر السابع للاضطرابات .
2 ــــ تلاحظ واشنطن أن الوضع الذي تتخبّط فيه إيران تحوّل إلى همّ رئيسي لحزب الله . فالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي يتعرّض منذ الانتخابات الرئاسية عام 2009 لضغوط متواصلة من معارضيه، تمثل في ذاتها تحديات متواصلة. بعد توجيهه ضربة إليهم، دخل في نزاع مع الرئيس محمود أحمدي نجاد رغم أنه شكّل الدعامة الأقوى لانتخابه، ومنحه غطاءً فائضاً في وجه المعارضين أنفسهم . ويظهر خامنئي في نظر معارضيه على أنه حاكمٌ مطلق لإيران . إلا أن القليل المتسرّب من حوار خامنئي مع المعارضة يشير إلى رغبة الأخيرة في بقاء المرشد الأعلى خارج الصراع السياسي على الحكم، وحصر دوره بالسهر على قيم الثورة ومبادئها.
ووفق المعطيات المتوافرة لدى واشنطن، فإن وصول المعارضة إلى السلطة سيمكّنها من إجراء تغيير جوهري في السياسة الخارجية لإيران، يجعلها تقترب من تلك التي اعتمدها الرئيس السابق محمد خاتمي إبان توليه الرئاسة (1997 ـ 2005) ، واتّسمت بالانفتاح والاعتدال والحوار .
يقول الأميركيون أيضاً، وفق الزوّار اللبنانيين، وهم يحاولون قراءة مستقبل إيران، إن وصول مير حسين موسوي إلى السلطة سيدفعه، بإيحاء من عمله إلى جانب خاتمي واقتداءً بالسياسة التي اعتمدها الأخير، إلى تحسين علاقات بلاده مع الدول العربية السنّية المجاورة، وينفق واردات النفط على التنمية انسجاماً مع خبرته ومهارته في الاقتصاد . يؤول ذلك، في نظر واشنطن، إلى قلق حزب الله من مستقبل الجمهورية الإسلامية والتغيير الذي قد يضربها، ويهدّده في الدعم المالي والسياسي الذي يتلقّاه منها .
3 ــــ يعتقد الأميركيون بأن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يمثل لغزاً عصيّاً على الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، وهو يأخذ الحكومة من أزمة إلى أخرى، ويربك الحزب في تعامله مع الاستحقاقات. هدّد ميقاتي بالاستقالة إذا صوّت لبنان ضد مشروع القرار الأوروبي ــــ الأميركي في مجلس الأمن، وربح المناورة عندما أرغم الحزب على تعديل موقفه بالقبول بالامتناع، لا بالرفض . يكرّر الآن الكرة بتهديد مماثل بالاستقالة في حال أجبرت الحكومة على التصويت ضد تسديد لبنان حصته في المحكمة الدولية، بعد الوعود التي قطعها ميقاتي للمجتمع الدولي بالتمويل .
يقول الأميركيون أيضاً إن ميقاتي لم يكتف بتأكيد التمويل، بل وعد واشنطن بالتزام أي قرار يُصدره مجلس الأمن بفرض عقوبات على سوريا من ضمن الشرعية الدولية التي لا يسع لبنان الخروج منها .
وتعتقد واشنطن، استناداً إلى معطيات تلقتها من قنوات اتصال مفتوحة باستمرار مع قوى 14 آذار، أن اللقاءات التي جمعت ميقاتي برئيس كتلة المستقبل الرئيس فؤاد السنيورة أفضت إلى اتفاقهما على ثوابت سياسية تحفظ موقع الطائفة السنّية في المعادلة السياسية، وأن السنيورة وعد ميقاتي بوقف الحملات الإعلامية التي يشنّها عليه نواب تيّار المستقبل في حال تصلّب بالمبادئ التي تفاهما عليها، وتتمحور حول المحافظة على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء وترسيخ موقعه ودوره في اللعبة السياسية الداخلية . وهما ثبّتا أولى خطوات هذا الاتفاق في إقرار مشروع خطة الكهرباء .
4 ــــ يصف الأميركيون علاقة الرئيس ميشال عون بحزب الله بالمعادلة الثقيلة الوطأة : حليفٌ قوي، ولكن مطالبه كثيرة ولا تتوقف . إلا أن الحزب يبدو ــــ تبعاً لهؤلاء ــــ مهموماً بعاملين يمثّلان مصدر قلقه حيال علاقته بهذا الحليف:
أوّلهما، اعتقاده بتراجع لافت لشعبية عون في المناطق المسيحية التي حصل فيها على أوسع تمثيل سياسي، وذلك من جرّاء دعمه الأعمى لحزب الله وسوريا.
وثانيهما، مرحلة ما بعد رئيس تكتل التغيير والإصلاح بعدما لفت المهتمين بالشأن اللبناني في الخارجية الأميركية إلى أن الرجل أدخل المستشفى مرتين على التوالي في أقل من شهرين .