في ما مضى مطلع الخمسينات، ابان قيادة الجيش، كان اللواء فؤاد شهاب عندما يود التلميح الى الرئيس بشارة الخوري يدعوه «السيد الكبير». ها هو «السيد الكبير» في المختارة، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لا يزال نفسه بعدما انتقل القصر الى وارثه في زعامة البيت والطائفة نجله تيمور. لكن الاب لا يزال رئيسا للحزب.
مثل هذا الانتقال خبرته المختارة بين عامي 1943 و1951. بعد موت صهر البيت حكمت جنبلاط، دخل كمال جنبلاط الى مجلس النواب في انتخابات 1943 وهو لما يزل في ظلّ سيدة القصر «الست نظيرة»، لابسة العباءة. ناب ووُزّر واستقال من الوزارة وبدّل التحالفات والخيارات الى ان غابت «الست نظيرة» في نيسان 1951، فأمسى سيد القصر. عندما انتخب نائبا، إيذانا بدخول معترك السياسة، كان في السادسة والعشرين. تيمور اليوم في ظل والده في الرابعة والثلاثين.
حينما يقال لجنبلاط عن استعادة تجربة سيدين في القصر بعد اكثر من 70 عاماً، الحفيد وابن الحفيد، يقول: «لعبت الست نظيرة دوراً من العشرينات حتى الاربعينات بعد مقتل جدي في ظروف شخصية، ثم دخل والدي في السياسة. الا انه اتخذ مساراً مختلفاً عن جدتي عندما اسس الحزب التقدمي الاشتراكي عام 1949، ولم تكن راضية عما فعل، وكان مفاجئاً. لتيمور اليوم فريق عمل في الحزب التقدمي الاشتراكي، رغم ان الحزب ضم في ذلك الزمان نخبة من المثقفين المسيحيين وأحد ابرز العلماء المسلمين الشيخ عبدالله العلايلي. اليوم الظرف مختلف تماما. انتشر الحزب وقتذاك في معظم المناطق اللبنانية افقيا، ليس الامر كذلك نتيجة الحروب المتتالية وانهزام اليسار اللبناني والحركة الوطنية. صرنا الآن مثل الاحزاب الاخرى، لأن الصعود هو للاحزاب الدينية. الظرف اليوم يفرض الانفتاح على الجميع».

■ تيمور يبدأ صعوده من تحت الى فوق، بينما بدأت انت من فوق الى تحت على وقع صدمة اغتيال كمال جنبلاط؟
ـــ ليس صحيحا. انا ايضا صعدت من تحت الى فوق في ظروف مختلفة. تعمّدت بدم كمال جنبلاط ودم الابرياء الذين قتلوا غدراً في ذلك اليوم. 1977 كانت سنة سلام الى ان حصل العام التالي اول صدام بين الجيشين السوري واللبناني في الفياضية، ثم توالت الجولات واحدة بعد اخرى. في اوج الجولات العسكرية لم اترك مطالب الناس. اعتقد ان تيمور قلّع وانا الى جانبه عندما يحتاج اليّ، وكذلك فريق عمل الحزب.

■ هل تتوقع منه سياسة مختلفة عنك كما فعل من قبل والدك مع جدتك؟
ــــ هو مستقل، لكن في المسار السياسي العام للحزب يلتزمه. المسار الرئيسي للحزب مبني على اهمية الحوار، ووصيتي الدائمة منذ اطلقتها للمرة الاولى في تغريدة: حذار العنف لأنني دخلت في دوامته وأعرف كلفته. في نهاية المطاف علينا حماية لبنان. لا بد من حماية لبنان بأي ثمن ايا تكن الاعتبارات. لا ازال اؤكد على لبنان الكبير، لبنان الجنرال غورو. بعد سقوط سايكس ــــ بيكو، ونهاية العراق، وسوريا على الطريق، لا يزال ثمة لبنان. بعد مئة سنة على سايكس ــــ بيكو محيت حدود سوريا والعراق.

لن يعجبهم كلامي، لكن المسيحيين هم المسؤولون عن تعطيل انتخابات الرئاسة


■ انت خائف على لبنان الكبير؟
ــــ الامر يعود الينا. على المسؤولين اللبنانيين تجاوز بعض الحساسيات والانانيات الذاتية الصغيرة كي يدركوا ان النار تلتهم. في نهاية المطاف «الدولة الاسلامية» في تدمر، اي على الابواب، في حين اننا غارقون كبرج بابل. اشبه ما نكون اليوم كالقسطنطينية قديما ــــ بالاذن من الروم الارثوذكس ــــ عندما كان محمد الفاتح على الابواب. لكن ليته محمد الفاتح. البغدادي شيء آخر.

■ ما هو دوره وما هو دورك؟
ــــ سيتولى ادارة المختارة، وان تبقى مفتوحة لكل المواطنين اللبنانيين الذين يقصدونها في اي خدمة، والتعرف الى الناس. في ما بعد، عندما تجري انتخابات نيابية سيترشح لها. اليوم كل شيء مجمّد بما في ذلك تشريع الضرورات الاقتصادية والامنية بفعل المزايدة على ان انتخاب رئيس الجمهورية اولا. مع ذلك لن يكون هناك رئيس في الظرف الحالي. لم يتفهم بعد غالبية الافرقاء السياسيين ان لا رئاسة في الوقت الحاضر. عندما انتخبنا الرئيس ميشال سليمان، كان هناك وسيط اسمه الدوحة بين ايران والسعودية وسوريا، وبين الجميع. اليوم لا وسيط ابدا. الوضع ملتهب بين السعودية وايران عبر الحرب بالواسطة في اليمن. تاليا لن يكون هناك اي وسيط. لذلك نصيحتي للافرقاء المسيحيين كفى مزايدة لانهم يهدرون الفرص التاريخية، ولم يقتنعوا بعد بأهمية مرشح توافقي خارج ميشال عون وسمير جعجع، وخارج امين الجميل ايضا. ربما سليمان فرنجيه مقتنع بذلك ولا يريد الخلاف مع ميشال عون. لم يقتنعوا بعد ويا للاسف. اي رئيس سيكون سوى هؤلاء. لا اعرف كيف يمكن ان يقتنعوا ونحن في هذه المنطقة الملتهبة. قلت قبلا وأكرر ان لرئيس لبناني مسيحي رمزية في هذا الشرق العربي والاسلامي، وخصوصا بعد الكوارث التي نزلت في العراق وسوريا على الطريق. لا ارى اليوم ان ما يسمى المجتمع الدولي، وخصوصا اوروبا، مهتم بالشرق. قد تكون فرنسا الوحيدة المهتمة. اميركا تتفرج علينا وتنتظر ولادة شرق اوسط جديد. سيولد شرق عربي جديد بالدم والنار والقتل، ولن يتخذ شكله النهائي قبل عشرات السنين. لم يعد هناك عرب. لسوء الحظ اننا عدنا الى نظرية ابن خلدون. بعدما وصلنا الى ما يسمى الحضارة المدنية، عدنا الى العصبيات القبلية التي تؤدي الى حروب مذهبية.

■ المسيحيون اذاً هم المسؤولون عن تعطيل انتخاب الرئيس؟
ــــ نعم. لن يعجبهم كلامي، لكنهم هم المسؤولون. لم يدركوا بعد حجم الخسارة وأهميتهم خصوصا. يحلم بعض القادة بانهم سيصيرون رؤساء، مع ان عقبات كبيرة في طريق وصولهم الى الرئاسة.

■ لكن لم يسبق على مرّ تاريخهم ان اتفق المسيحيون على رئيس؟
ــــ ربما حصل ذلك مرة واحدة مع سليمان فرنجيه عام 1970. كانت لدى الرئيس شمعون والشيخ بيار والعميد ريمون اده حكمة، جعلتهم يعرفون ان لا حظ لاي منهم بالوصول الى الرئاسة، فرشحوا سليمان فرنجيه وكانت له قاعدة سياسية وشعبية وطنية. آنذاك سلموا بالواقع. اليوم لا يسلم مَن نتحدث عنهم بذلك. لو يسلمون لان الوقت ليس في مصلحتهم ولا في مصلحتنا.

■ ماذا تعني برئيس توافقي؟
ــــ خرجوا بنظرية الرئيس القوي التي خربت المسيحيين ولبنان، عندما خرج البعض بها وادت الى حروب المحاور الاقليمية وحرب الجبل وحروب الالغاء. واكتفي بهذه المحطات.