... ونزل التيار الوطني الحر إلى الشارع. «البروفا» التي أجراها أنصاره أمس فاجأت حتى بعض حلفائه، وبطبيعة الحال خصومه الذين راهنوا على عدم قدرته على تنظيم أي تحرك شعبي. مناصرون للتيار، من مختلف الأعمار، جالوا بسياراتهم في عدد من المناطق المتنية والجبيلية، وصولاً إلى وسط العاصمة، ملامسين حدود السرايا الحكومية. هذا التحرك أثار حفيظة الرئيس تمام سلام، الذي اتصل بالأجهزة الأمنية مستفسراً عن حجم التحرك والمعلومات المتوافرة عنه. هذه المعلومات لا يخفيها العونيون.
يؤكدون استعدادهم للدخول في مواجهة طويلة، ستكون بدايتها اليوم بتجمع في سن الفيل، قرب مبنى ميرنا الشالوحي. سيواكبون جلسة مجلس الوزراء، منتظرين وجهتها. إذا أصر «تيار المستقبل على المضي في قرار التفرد ومحاولة كسر الجنرال عون ومصادرة حقوقنا، فسنواجه، ومستعدون للتضحية»، بحسب أحد المنظمين. أكثر ما يستفزهم هو اتهامهم بالطائفية، «من قبل أباطرة الطائفية». يقول طوني أوريان، أحد المنظمين: لقد صفَحنا عنهم عام 2005، وحملناهم على أكتافنا، ونسينا كل ما فعلوه بنا أيام الوجود السوري في لبنان، ثم وقفنا مع المقاومة في تموز 2006. خياراتنا كانت عابرة للطوائف، لكنهم اليوم يريدون حرماننا حقوقَنا. لا يمارسون إلا المحاصصة الطائفية، وعندما يصل الدور إلى حقوق المسيحيين بحسب النظام الطائفي المعمول به، يدّعون كذباً العلمانية». يجزم المنظمون بأن لديهم «بنك أهداف» ليحققوها، تبعاً لأفعال «الداعشية السياسية، وعلى مدى طويل».
في الصالونات السياسية، يبدو أن خطاب الجنرال ميشال عون المنادي بـ»استعادة حقوق المسيحيين» من بوابة تعيين قائد جديد للجيش يلقى استحساناً لدى شريحة واسعة من «الجمهور المسيحي»، بصرف النظر عن قدرة عون على التحشيد للنزول إلى الشارع. وهذا الانطباع يتجاوز الجمهور العوني التقليدي، إلى شريحة من «الوسطيين» ومن مؤيدي فريق 14 آذار يرون في خطاب عون الجديد معبراً إلى تحصيل حقوق مغصوبة منذ اتفاق الطائف، لكن من دون موافقتهم بالضرورة على خيار النزول إلى الشارع. سياسياً، وضعت «البروفا» العونية أمس القوى السياسية في موقع محرج. ولهذه الأسباب، تحرّك النائب وليد جنبلاط على خط التواصل مع عون، ومع رئيس الحكومة تمام سلام. وضع جنبلاط، في العلن، تحركه في إطار التأكيد لعون (هاتفياً) أنه «لم يغدر به»، على عكس ما ذُكِر في بعض وسائل الإعلام أمس؛ وفي إطار دعم «حكمة الرئيس تمام سلام ورفض تعطيل مجلس الوزراء» من خلال زيارة السرايا الحكومية. إلا أن مقربين من النائب الشوفي يؤكدون أنه يستشعر خطراً كبيراً نتيجة التأزم السياسي، وهو ما لمّح إليه بعد لقائه سلام، عندما ذكّر بأن لبنان عاش حربه الأهلية فيما الدول العربية المحيطة تنعم بالاستقرار، بعكس اليوم إذ تشتعل الدول المحيطة فيما لبنان هادئ، و»قد تكون النار على الأبواب».

باسيل لـ«الأخبار»: لن نقبل أن يأخذ أحد لقب «فخامة الدولة» والمعركة طويلة

ولذلك، قرر القيام بمبادرة (يرفض تسميتها مبادرة)، يأمل منها تخفيف التوتر، من خلال إرجاء الخلاف المتوقع في جلسة مجلس الوزراء اليوم، إلى ما بعد عيد الفطر. المسعى ذاته يقوم به حزب الله. وهو يأمل أن تمرّ جلسة اليوم من دون اتخاذ قرارات بصورة مخالفة للآلية المتفق عليها سابقاً، وبالتالي، فضّ الخلاف أو إرجائه أسبوعين. وفي اللقاء الذي ضم وزيري الحزب إلى وزراء التيار الوطني الحر وتيار المردة وحزب الطاشناق في وزارة الخارجية، قال الوزير جبران باسيل إنه سيدخل مجلس الوزراء (اليوم) ليعبّر عن رفض التكتل للقرار الذي أصدره سلام في الجلسة الماضية، رغم اعتراض 6 وزراء يمثلون مكونات رئيسية في المجلس، وهو ما يخالف الآلية التي جرى الاتفاق عليها بعد الشغور الرئاسي. حاول وزيرا حزب الله التخفيف من حدة موقف حليفهم، إفساحاً في المجال أمام إمكان التوصل إلى تسوية مع تيار المستقبل ورئيس الحكومة. وفي هذا الإطار يؤكد مسؤولون في «المردة» أن تيارهم يؤيد مواقف عون بالكامل، وخاصة لجهة ضرورة التزام آلية العمل الحكومي. وبالنسبة إلى فتح دورة تشريعية لمجلس النواب، أكدت مصادر المردة أن توقيع الوزير روني عريجي مرسومَ فتح الدورة مبنيّ على موقف مبدئي للتيار يرى وجوب استمرار العمل التشريعي، لكن توقيع المرسوم لا يعني الموافقة على صدوره من دون التزام الآلية. وبعد الاجتماع، قال باسيل لـ»الأخبار»: «لن نقبل أن يأخذ أحد لقب «فخامة الدولة»، ولن نقبل بأن يمس أحد بصلاحياتنا وصلاحيات رئيس الجمهورية، واليوم يوم مفصلي يقرر اتجاه البلد، ونعرف أن المعركة طويلة».
في المقابل، يجزم الرئيس تمام سلام بأن مجلس الورزاء سيعمل بصورة «طبيعية» اليوم. وعلّقت مصادر التيار الوطني الحر على كلامه بالقول: «من الواضح أن من يتكلّم ليس تمام سلام. هذا ليس تمام سلام المنظّر للتوافق والوفاق، وهل يعني الوفاق الدفاع عن مخالفة القوانين وأن يقرر وزير عن كل الحكومة؟ أي طرح لأي موضوع بالتحدي وبخلاف المتفق عليه يعني الذهاب في طريق اللاعودة». في تيار المستقبل، إصرار على هذا الطريق. إذ يؤكد أحد وزراء التيار الأزرق اللازمة ذاتها منذ بداية الأزمة: «ليس لدينا ما نعطيه لعون». لكن الوزير نفسه يفتح باباً يتيح عدم تفجير مجلس الوزراء اليوم، إذ يرجّح عدم إقرار بنود من جدول أعمال مجلس الوزراء، مع ما يعنيه ذلك من إرجاء للخلاف، لكن من دون حله. فدون نزع فتيل التفجير قرار إقليمي، سعودي تحديداً، يتحدّث عنه صراحة مقربون من الرئيس سعد الحريري. شخصية مستقبلية بارزة قالت لـ»الأخبار»: ثمة قرار إقليمي، ومن أكثر من جهة، بتحدي عون حتى النهاية». وهذا القرار يبدو جلياً من تعنّت الرئيس سعد الحريري ورفضه الموافقة على أي مقترح لحل الأزمة الحكومية.
على صعيد آخر، أكدت مصادر عسكرية لـ»الأخبار» أن الجيش سيحفظ الأمن وسيمنع الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، لكن «لن نستدرج إلى مشكلة مع أي طرف لشدّ العصب ضد المؤسسة العسكرية». أما بالنسبة إلى قطع الطرق والمرافق الحيوية كالمطار والمرفأ، فأكدت المصادر أن الجيش سينتظر قرار الحكومة والسلطة السياسية المخولة اتخاذ القرار المناسب.
(الأخبار)