منذ أربعة أيام فتح وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور ملف الملح، وتحديداً نقص مادة اليود فيه. أعلن الوزير «أن مستوى العوز لليود وصل إلى مستوى خطير، وقارب المرحلة التي كان فيها في عام 1993، قبل البدء بتطبيق سياسة دعم الملح باليود»، مستنداً إلى الفحوصات التي قامت بها الوزارة.
التقرير الذي أرسلته رئيسة دائرة التغذية في وزارة الصحة وفاء حوماني الى الوزير، يوضح أنّ الفحوصات التي قامت بها الوزارة شملت 38 عينة من 33 ماركة من الملح الناعم المنتج محلياً والمعروض للبيع في الأسواق. وتبيّن أنّ عينة واحدة فقط أتت فيها كمية اليود مناسبة للمعدل الالزامي المطلوب، أي بين 60 و80 ملغ من مادة اليود في كل كيلوغرام من ملح المائدة، فيما جميع العينات الأخرى سجّلت معدل يود منخفضاً جداً حيث ظهر أنّ 4 عينات من الملح تحتوي على كمية يود بين 30 و39 ملغ في الكيلوغرام، 17 عينة تحتوي على كمية يود بين 20 و29 ملغ في الكيلو، 15 عينة تحتوي على كمية يود بين 10 و19 ملغ في الكيلو، وعينة واحدة تحتوي على كمية من اليود أقل من 10 ملغ في الكيلو. ويشير التقرير الى أنّ معظم عينات الملح الناعم الميوّد المعروضة للبيع في الأسواق اللبنانية (أكياس أو عبوات) لم تذكر بطريقة واضحة كمية اليود المضافة إلى الملح. في الحصيلة تبيّن أنّ:
- 25 عينة من الملح الناعم معروضة من دون ذكر محتوى اليود المضاف.
- عينة واحدة ذكرت وجود 10 ملغ/ كلغ من مادة اليود وجاءت نتيجة التحليل الكيميائي لليود مطابقة للكمية.
- عينة واحدة ذكرت وجود 30-40 ملغ/ كلغ من مادة اليود وجاءت نتيجة التحليل الكيميائي لليود أقل بكثير من 15 ملغ/ كلغ.
- 7 عينات ذكرت وجود 30-50 ملغ/ كلغ من مادة اليود وجاءت نتيجة التحليل الكيميائي لليود أقل بكثير من 30 ملغ/ كلغ.
- 3 عينات ذكرت وجود 15-30 ملغ/ كلغ من مادة اليود وجاءت نتيجة التحليل الكيميائي لليود أقل بكثير من 10 ملغ/ كلغ.
- عينة واحدة ذكرت وجود 60-80 ملغ/ كلغ من مادة اليود وجاءت نتيجة التحليل الكيميائي لليود مطابقة للمواصفات الإلزامية طبقاً للقانون رقم 178 تاريخ 2011/9.
لكن، لماذا تعتبر إضافة اليود الى الملح مهمة؟
يشرح أستاذ علم التغذية في «الجامعة الأميركية في بيروت» وممثل «Iodine global network» في لبنان، عمر عبيد، أن نقص اليود لدى الإنسان يعدّ خطيراً جداً، إذ يؤدي الى تضخم في الغدة الدرقية، تراجع في النشاط وبطء في الحركة وخمول، ما يؤثر في إنتاجية الشخص، زيادة الوزن، عدم إمكانية مقاومة البرد، كذلك فإنّ اليود يؤثر كثيراً في الدماغ، وتحديداً على قياس الذكاء، فقد أظهرت الدراسات أنّ هناك فرقاً بمعدل 5 نقاط في اختبار الذكاء بين الأشخاص الذين يحصلون على كمية اليود المطلوبة وأولئك الذين يحصلون على كميات أقل.

يؤثر اليود كثيراً في الدماغ وتحديداً على قياس الذكاء

تحدث أبو فاعور في مؤتمره الصحافي الاخير عن سلسلة دراسات قامت بها الجامعة الأميركية في بيروت في أعوام 1993، 1997 و2013 لتحديد مستوى العوز لليود عند اللبنانيين. يكشف عبيد أنه عام 1993، أي قبل تطبيق خطة دعم الملح باليود، أظهرت الدراسة أنّ معدل اليود كان 59.8 ملغ/ ليتر ليرتفع عام 1997 الى 94.5 ملغ/ ليتر وليعود ويسجّل انخفاضاً كبيراً عام 2013، أي بعد سنتين على إقرار قانون إلزامية إضافة اليود الى الملح، إذ بلغ معدل اليود عند اللبنانيين 66 ملغ/ ليتر، علماً بأن المعدل الطبيعي يُفترض أن يكون 100-200 ملغ/ ليتر. كذلك، أجرى عبيد بين عامي 2013 و2014 دراسة على الأطفال في لبنان لمعرفة مستوى اليود الموجود في الجسم، فتبيّن أنّ 75% من الأطفال يعانون من نقص، إذ أتى معدل اليود لديهم أقل من المعدل الطبيعي.
يشرح عبيد انّ الفارق في كمية اليود بين عام 1993 و1997 يعود الى إضافة اليود الى الملح عام 1995، ما يعني أنّه تمّ رفع كمية اليود في جسم اللبنانيين بواسطة الملح بمعدل 34.7 ملغ/ ليتر.
لائحة المؤسسات المخالفة في موضوع تدعيم الملح باليود التي وزعتها الوزارة شملت 33 علامة تجارية مصدرها الفعلي هو ثلاثة معامل مسيطرة على سوق الملح هي: قبيطر، ملوك الملح وقصر الملح اللبناني. وعليه، فإن الإحالات على النيابة العامة التي وعد بها أبو فاعور يجب أن توجّه بشكل أساسي الى المصادر المنتجة والموزّعة للملح لا ملاحقة المؤسسات التجارية فقط، خاصّة أنه رأى أنّ هذه النتائج أثبتت أنّ ما يحصل هو «غش، ومع مخالفات كهذه، لا أحد يفترض حسن النية، خصوصاً أن القاصي والداني يعرفان أن نقص اليود يؤدي إلى مشاكل صحية».
للصورة المكبرة انقر هنا

يقول مدير معمل قصر الملح اللبناني طوني دعبول لـ«الأخبار» إنّ «وزارة الاقتصاد تأخذ عينات من الملح بشكل دائم من المعمل ولم توجّه أي ملاحظة لنا في هذا الموضوع». يطرح هذا الأمر إشكالية تظهر دائماً في الملفات التي فتحتها وزارة الصحة: أين كانت وزارة الاقتصاد من كل هذا الغش؟
يبرّر دعبول أسباب النتائج التي عرضتها وزارة الصحة لنقص اليود في الملح بأنّ «كمية اليود في الملح تنخفض مع مرور الوقت وعند تعرضه للشمس والرطوبة»، وهو ما يؤكده أيضاً عبيد. يضيف دعبول «نضع 60 ملغ/ كلغ من اليود (أي الحد الأدنى المطلوب قانوناً) في المعمل، وهذه الكمية تنخفض مع الوقت الى 45 و40 ملغ/ كلغ، وبالتالي يجب أن نضع 80 ملغ/ كلغ كي تبقى كمية اليود مطابقة للقانون بالحد الأدنى بعد مرور الوقت بحيث تصبح 60 ملغ/ كلغ». إذاً، لماذا لا تضع المعامل كمية 80 ملغ/ كلغ، أي الحد الأقصى المطلوب قانوناً من اليود؟ جواب دعبول واضح ومتوقع: «إذا وضعت 80 ملغ/ كلغ من اليود لا يمكنني أن أنافس في السوق، إذ إنّ سعر اليود يتراوح بين 50 الى 60 دولاراً للكيلو». يقول دعبول إنّه عندما أُقرّ قانون إضافة اليود الى الملح كانت «اليونيسف» والدولة تدعم مادة اليود، أمّا اليوم فلا يوجد دعم، «ليس لدينا أي مشكلة بالالتزام بالقانون، لكننا بحاجة الى دعم، إذ يستهلك اللبنانيون سنوياً 60 ألف طن من الملح، يحتاج 20 ألف طن منه (أي ملح المائدة) إلى اليود».
إذاً قانوناً، وبحسب التقرير، «فقد جاءت عينات الملح المعروض للبيع في الأسواق اللبنانية مخالفة لأحكام القانون رقم 178 تاريخ 29/8/2011 خاصة للمادة الثالثة والمادة الرابعة منه، اللتين تنصان على أن تكون النسب المئوية لليود مذكورة بوضوح تام على الأوعية». وتنص المادة الخامسة على أنه «يمنع منعاً باتاً تداول واستعمال ملح المائدة أو المطبخ المخالف للشروط الواردة في القانون»، فيما تنص المادة الثامنة منه على معاقبة كل شخص طبيعي أو معنوي يخالف أحكام هذا القانون ويعاقب بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة تتراوح بين 400 ألف ليرة لبنانية إلى ثلاثة ملايين ليرة لبنانية أو بإحدى هاتين العقوبتين، إضافة إلى مصادرة البضائع موضوع المخالفة، وتعطي للمحكمة الحق في إيقاف المؤسسة أو الشركة أو الوكالة المصنّعة أو الموزّعة أو المسوّقة مؤقتاً عن العمل. إضافة الى ذلك، أكّد التقرير مخالفة المؤسسات والمصادر لأحكام قانون حماية المستهلك رقم 659، وتحديداً المادتين الرابعة والسابعة من الفصل الثالث اللتين تنصان على «تزويد المستهلك بمعلومات صحيحة ووافية وواضحة، وإدراج المعلومات وفقاً للمواصفات المعمول بها على لصاقات السلع». كذلك المادة 11 من الفصل الرابع التي تنص على أن «الإعلان الخادع هو الإعلان الذي يتم بأية وسيلة كانت٬ ويتناول سلعة أو خدمة٬ ويتضمن عرضاً أو بيان ادّعاء كاذب أو أنه مصوغ بعبارات من شأنها أن تؤدي٬ بطريقة مباشرة أو غير مباشرة٬ الى خداع أو تضليل المستهلك». فهل سيتحرك القضاء لملاحقة المخالفين، خاصة أنّ أسباب عدم إضافة اليود الى الملح وإلحاق الضرر بصحة اللبنانيين تتعلق بحسابات «التنافس» بين التجار الذين لا يبحثون سوى عن الأرباح؟ وهل ستتحرك وزارة الاقتصاد، وتحديداً مديرية حماية المستهلك، لمعاقبة الغش الممارس من قبل تجار الملح؟

«لائحة بأسماء المؤسسات المخالفة في موضوع تدعيم الملح باليود»