هل تستعد أميركا لشنّ حرب على إيران؟ سؤال بديهي ساد إثر الحملة غير المنطقية التي شنتها الدبلوماسية الأميركية، العامة منها والرسمية، على خلفية السيناريو الهوليوودي بشأن محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير. طبعاً، الاتهام الذي قام شمل أيضاً العمل على محاولة تفجير سفارات لإسرائيل والسعودية في الأرجنتين وواشنطن. لكن الولايات المتحدة وإعلامها يهتمان فقط بما يخص السعودية. أما لماذا، فذلك لأن اتهام إيران بالسعي إلى ضرب مصالح إسرائيل، يمثّل رصيداً لها في العالمين العربي والإسلامي، وبالتالي يكون الإعلان خدمة لها. أما الإشارة إلى السعودية، فهو أمر يعتقد الأميركيون ويراهنون من جديد على أنه سيؤثر سلباً في صورة إيران وفي علاقاتها العربية والدولية، وسيدفع بالسعودية إلى مزيد من المواقف الخلافية مع إيران.
طبعاً، لن يقول الأميركيون ولا السعوديون علانىة ما قالوه في مجالسهم الضيقة؛ إذ ليس منطقياً أن تظهر الولايات المتحدة ذعر السعودية من تهمة كهذه؛ لأن السؤال يصبح معاكساً: ليس «ما الذي تنوي السعودية القيام به رداً على إيران؟»، بل «ما هو المطلوب من السعودية أن تعلن أنها ستقوم به رداً على إيران؟». لكن الكل يعلم أن المطلوب من السعودية في هذه الحالة هو إعلان الموقف والقطيعة، وإشعال النار تحت موقد التوتر الشيعي ـــــ السُّني، وان تحضر ملياراتها، ثم تترك للأميركيين، وحتى للإسرائيليين (باعتبار أنهم شركاء في المصيبة) تولي تنفيذ العقاب. علماً بأن المناخ الموجود لدى الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز، هو غير المناخ الذي يعبّر عنه وزير خارجيته سعود الفيصل. صحيح أن عبد الله لا يكنّ أي نوع من الود لإيران، لكنه يعرف ـــــ لأسباب مختلفة ـــــ أن فكرة المواجهة مع إيران تعني أول ما تعني احتراق الخليج كله. ثم هناك الكثير ممن سيقولون له الآن: لتخرج أميركا أولاً من أزمتها مع إيران في العراق وفي أفغانستان، ثم لتطلب منا توسيع دائرة المواجهة.
وفي الحالات كافة، هناك استراتيجية جديدة تعمل الولايات المتحدة والغرب وإسرائيل عليها. وإذا كان من الأفضل للثورات العربية الملتحقة بالناتو أن تظل بعيدة عن أميركا وعن إسرائيل، أو أن تكون أميركا وإسرائيل بعيدتين عنها، وأن يترك أمرها للأوروبيين، فإن ملف إيران هو من مسؤولية الولايات المتحدة حصراً. وسيكون الأمر مثيراً للضحك لو ادّعت أوروبا، أو حتى إسرائيل، أن لديهما القدرة على مواجهة إيران الآن. وبالتالي، ما دام الخليج برمته سيكون مسرح أي مواجهة، وستمتد حتماً إلى مناطق أخرى، من أفغانستان حتى غزة وجنوب الجزيرة العربية، فإن الدور السعودي سيكون حتمياً. إن السعودية تمثّل الآن الممر الإلزامي لأي مغامرة أميركية تجاه إيران.
الاستراتيجية الأميركية تنطلق من أن مشروعها الاستراتيجي الذي بدأ بعيد أحداث 11 أيلول، يواجه الآن الاختبار الأكبر، بقرب اتخاذ القرار العملاني من مسألة احتلالها للعراق. وقريباً جداً، سيكون العنوان نفسه على جدول أعمال الإدارة الأميركية بالنسبة إلى أفغانستان. وهذا يعني بديهياً الآتي:
هل تخرج أميركا من العراق بخفّي حنين، وهي تعرف أن إيران تقاسمها الآن، بل تتفوق عليها في النفوذ داخل هذا البلد؟
هل تخرج أميركا وتترك جماعتها في دول الخليج في حالة صعبة من دون أن توفر لها المناخ المواتي لاستمرار المواجهة مع المحور الذي تقوده إيران؟
هل تخرج الولايات المتحدة، وقد فشلت محاولة قلب النظام في سوريا، بمعزل عن أحقية مطالب الشعب السوري في الإصلاح والتغيير؟
هل تخرج أميركا وتترك المحور الآخر يتعزز بدور إضافي لإيران في العراق، وتالياً بتعاظم النفوذ في المنطقة، وقيام تحالف مطّرد بين العراق وسوريا وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين؟
هل تخرج أميركا من المنطقة، فيما تبتعد مصر، ولو ببطء، عن الموقع الذي كانت فيه قبل سقوط الرئيس حسني مبارك، والتطور التدريجي في التواصل بين مصر الجديدة وبين دول المحور الذي تقوده إيران؟
هل تخرج أميركا، بينما تتراجع يوماً بعد يوم قوة أنصارها وحضورهم في لبنان وفلسطين، لمصلحة الفريق الحليف للمحور الآخر؟
هل تخرج أميركا وتترك الأردن مسرحاً مستقبلياً لمواجهة حتمية على خلفية الموقف من القضية الفلسطينية، وضرورة تغيير الموقع السياسي للأردن في هذه المواجهة وفي العلاقة مع دول الجوار العربية؟
هل تخرج أميركا، وإسرائيل لم تجب بعد عن السؤال المركزي: «ما الذي تقدر على فعله الآن لمواجهة النمو الإضافي في قوة المقاومة في لبنان وفلسطين، والتحولات التي يتحدث عنها الإسرائيليون أنفسهم في بنية الجيش السوري وتوجهاته؟».
هل تخرج أميركا الآن، وهي تعرف أن إيران تتقدم الآن لتعزز نفوذها بما يمكنها من كبح جماح تركيا الساعية إلى احتلال موقع متقدم في العالمين العربي والإسلامي؟
هذه الأسئلة، وهناك الكثير منها، تدفع إلى الاعتقاد أن المنطقة تمر في أصعب فترة على جميع أطرافها، وأن التعقيدات تقود إلى استنتاجات وتقديرات من النوع الذي يشي بإما أن نكون على وشك انفجار كبير سيشعل المنطقة ككل، وسيصيب أوروبا بالتأكيد وكل الوجود الأميركي، أو أن توازن الرعب سيترك الأمر لأعمال أخرى.
المشكلة أن الجمود والفراغ هو الساحة الفضلى للعمل الأمني... الله يستر!