استمرت أكوام النفايات بالارتفاع أمس في ٣٠٠ مدينة وقرية في محافظتي بيروت وجبل لبنان. فيما نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر شباناً في العديد من أحياء العاصمة والضواحي يحرقون المستوعبات، ما يفاقم الأزمة أزمة تلوث الهواء وينقلها الى مستوى أعلى من السمّية، وخصوصاً أن عملية حرق النفايات تؤدي الى انبعاث الغازات المسرطنة.
بارقة الأمل الوحيدة التي نتجت من هذه الأزمة التي تصيب لبنان للمرة الثانية، أن العديد من الجمعيات الأهلية والبلديات بدأت بتعميم ثقافة فرز النفايات من المصدر، الأمر الذي يخفض كمية النفايات المنزلية التي ترمى في المستوعبات. وعممت جمعية الأرض ــ لبنان لائحة تضم أسماء وأرقام هواتف مصانع التدوير والجمعيات والمؤسسات التي تجمع المفروزات غير العضوية من أجل تسريع استعادة البلديات دورها في الحل والمعالجة». في حين أعلنت بلدية عبيه ــ عين درافيل، وهي البلدية التي كانت حتى صباح يوم الجمعة الماضي، تستقبل كل نفايات بيروت وجبل لبنان في نطاقها العقاري، أنها بدأت بتطبيق خطة لفرز النفايات من المصدر، ومعالجة النفايات العضوية عن طريق تخميرها في الهواء الطلق، معلنة أنها انتهت من أزمة النفايات الى غير رجعة، وأنها سوف تطلب رسمياً من وزارة الداخلية والبلديات فض عقدها الحالي الذي يكلف قرابة ١٥٠ دولاراً للطن الواحد. وأكد رئيس البلدية غسان حمزة لـ«الأخبار» أن الخطة رصد لها أموال من ميزانية البلدية وسوف يتم تطويرها وتحديثها ورفدها بالآليات والمعدات في القريب العاجل، ونأمل أن تحذو بقية البلديات حذونا وتتخلص من سيطرة القطاع الخاص على إدارة النفايات التي تعد من صلب صلاحيات المجالس البلدية، وفق ما ينص عليه قانون البلديات. وفي بيصور، أعلن رئيس الاتحاد وليد أبو حرب البدء بتطبيق خطة مماثلة. كذلك أعلن رئيس بلدية عاليه وجدي مراد عن تأمين قطعة أرض مؤقتاً من خلال أحد المواطنين لنقل النفايات العضوية إليها، وسنطلب ممن يهتمون بالمواد القابلة للتدوير الحضور وأخذها من دون مقابل».

نفى اتحاد بلديات الضاحية نيته نقل النفايات الى موقع كوستا برافا


وفي الضاحية الجنوبية لبيروت، أكد رئيس اتحاد بلديات الضاحية محمد درغام لـ«الأخبار» أن الاتحاد باشر بجمع النفايات من الأحياء التي أقفلت أمام المارة والسيارات بفعل تراكم النفايات، ونقلها الى عقار يملكه الاتحاد عند طريق المطار القديمة بالقرب من مطعم فانتزي وورد. ولفت درغام الى أن هذا الإجراء المؤقت لا يعني أن الأزمة قد عولجت والمطلوب من الحكومة المبادرة بأقصى سرعة الى تحديد المواقع التي يجب أن تنقل إليها النفايات لأن الضاحية الجنوبية تنتج قرابة ٨٥٠ طناً يومياً، وهي غير قادرة على تجميع النفايات في نطاقها. ونفى درغام الشائعة التي تقول إن الاتحاد بصدد نقل النفايات الى موقع الكوستا برافا في خلدة، مؤكداً أن وزراء حزب الله أكدوا خلال جلسات الحكومة أن هذا الموقع «خط أحمر» ولا يمكن استخدامه كمطمر أو مكب للنفايات.
على الصعيد السياسي، يلتقي رئيس مجلس الوزراء تمام سلام نواب بيروت عند الساعة العاشرة من قبل ظهر اليوم في السرايا الكبيرة لبحث موضوع نفايات العاصمة. وعقدت أمس ثلاثة اجتماعات تتعلق بمعالجة هذه الأزمة. الاجتماع الأول عقد في مقر مجلس الإنماء والإعمار بحضور وزير البيئة محمد المشنوق. وعلمت «الأخبار» أنه جرى في الاجتماع الاتفاق على إبلاغ شركة سوكلين إعادة العمل على جمع النفايات ونقلها الى «مواقع متعاونة». في المقابل، أكد مصدر مسؤول في سوكلين أنه لم يتبلغ حتى مساء أمس أي كتاب رسمي بهذا الشأن، لافتاً الى أن الشركة لن تستطيع استكمال أعمال الجمع قبل أن تتبلغ خطياً بالمواقع التي ستنقل إليها النفايات، وقبل أن يتم تأمين الحراسة والمواكبة الأمنية لهذه العملية بعدما ظهرت في وسائل الإعلام تهديدات بقطع الطرقات وتكسير الشاحنات في حال وصولها الى المكبات التي أعلنت عنها وزارة البيئة في الخطة التي سمتها «المرحلة الانتقالية». أما الاجتماع الثاني فتمثل بانعقاد جلسة للجنة المكلفة دراسة عروض المناقصات للشركات التي تقدمت الى مختلف المناطق الخدماتية، باستثناء بيروت. وكشف مصدر لـ»الأخبار» أن التعجيل في تقويم العروض وتقصير المهل جاء بتوجيهات من الرئيس سلام وذلك من أجل التعجيل في إعلان نتائج المناقصات وبدء أعمال التلزيم.
وفي المجلس النيابي، عقدت لجنة البيئة النيابية برئاسة النائب مروان حمادة جلسة حضرها وزير البيئة. وعقب الجلسة، أعلن حمادة أن «مشكلة النفايات هي مشكلة وطن، وأول الحلول التي يجب البدء بها رفع النفايات وفض العقود والبحث بجدية بموضوع المحارق، وتوصلنا الى آلية جديدة لمعالجة أزمة النفايات، بدءاً من إعطاء البلديات حقوقها والنظر في تسهيل عملها في هذا الملف». بدوره، أعلن وزير البيئة تعذر وضع خطط استراتيجية الآن لمشكلة النفايات بل حلول آنية، وشدد بعد اجتماع لجنة البيئة النيابية على ضرورة عدم وقف جمع النفايات. وأكد أن «شركة سوكلين ستتابع جمع النفايات خارج إطار العقد الذي انتهى في 17 تموز، وهناك رغبة كاملة للتعاون مع كل البلديات»، مشيراً الى وجود 670 مكباً للردميات. وتابع: «النفايات ستطوف على الجميع، وهذه المسألة ليست مذهبية ولا طائفية، وعلى البلديات التعاون معنا، وعلى المواطن والمجتمع المدني مسؤولية ودور كبير في ملف النفايات».
لكن عبارة «تعاون كامل من البلديات» التي استخدمها المشنوق لا تعكس واقع الحال على أرض الواقع. وقد استكملت أمس سلسلة المواقف الرافضة لاستقبال نفايات بيروت والضاحيتين في أقضية جبل لبنان وبقية المحافظات.
ففي النبطية، لا يكتفي الأهالي برفص استقبال نفايات من خارج المحافظة بل إن الأزمة تتفاقم لتشمل مكب الكفور المقفل بقرار قضائي أمام نفايات المنطقة نفسها، حيث دعا أهالي بلدة الكفور الى «التجمع عند المدخل المؤدي الى مكب النفايات للاعتصام أمامه وإقفاله في وجه الشاحنات التي تفرغ النفايات فيه من منطقة النبطية».
وأوضح رئيس اتحاد بلديات جبيل فادي مارتينوس بعد لقاء مع الرئيس السابق ميشال سليمان وكتلته الوزارية: «أننا في حبالين قضاء جبيل ليس لدينا القدرة لاستيعاب نفايات من خارج القضاء، هناك مئة طن تقريباً من النفايات تعالج يومياً تستوعبها حبالين، ونحن نتولى حمل نفايات جبيل عن كاهل الدولة. ونحن نتولى المعالجة والطمر، ونأمل من الوزير محمد المشنوق أن يوفد فريقاً من قبله لكي يتأكد من أنه لا إمكانية لدينا لاستيعاب نفايات إضافية على النفايات المستوعبة من قضاء جبيل، وهذا المكب هو ملك اتحاد بلديات جبيل. ودعونا في هذا القضاء أن نتصرف بملكنا لكي نستطيع أن نستمر لأن الحمل كبير على الاتحاد. ونتمنى من الوزيرالمشنوق العودة عن قراره لأنه لو كان لدينا القدرة على استيعاب نفايات أكثر لما كنا قصرنا بالواجب».
ومن عكار، حيث تم الترويج بأن مكب سرار سيستقبل جزءاً كبيراً من نفايات العاصمة، وجه النائب معين المرعبي تحذيراً الى كل من تسول له نفسه محاولة إدخال النفايات من خارج محافظة عكار الى داخلها. وقال في تصريح: «كنا ننتظر من الحكومة أن تقوم بتصحيح وضع «مكب سرار» الى ما هو أفضل، فإذا بنا نفاجأ بمحاولة زيادة الأمر سوءاً من خلال زيادة كميات النفايات الواردة إليه بحجة أن الأمر موقت». وأكد «أن العكاريين سيتصدون بكل الوسائل والأشكال لمنع دخول هذه النفايات. ونحمل أيضاً أصحاب الشركات المتعهدة وسائقي الشاحنات الناقلة مسؤولية ما قد ينتج من هذا الفعل، وقد أعذر من أنذر».
وفي إقليم الخروب، عقد اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي اجتماعاً طارئاً أمس في مركزه في بلدة مزبود، بحث خلاله في مشكلة النفايات. وشكا العديد من البلديات عدم توافر الإمكانات والمعدات اللوجستية لديها لجمع النفايات أو نقلها من الشوارع الى خارج الأحياء السكنية المكتظة، في انتظار قيام الدولة بالبدء بالمعالجة السريعة لهذه المشكلة. وطلب رئيس الاتحاد محمد بهيج منصور من اللجنة المكلفة منه متابعة الخطة المستقبلية المتعلقة برفع الأضرار البيئية ضمن نطاق إقليم الخروب، وخصوصاً في ظل الرفض لأي اقتراح باستحداث مكب أو مطمر للنفايات في الشوف عموماً وإقليم الخروب خصوصاً.