تونس | قدم الفنان التونسي جاسر حاج يوسف على خشبة المسرح الأثري في قرطاج حفلةً استثنائية يعرض للمرة الأولى على المستوى العالمي، شدّ إليه الجمهور شدّاً، فلم يستطع مغادرة المسرح إلاّ بعدما ألحّ على الفنان وضيوفه لإعادة المقطع الأخير من البرنامج الموسيقي الثري والمتنوععرض «سيرة سامفونيك بروجاكت» قدمه الفنان التونسي المقيم في فرنسا للمرة الأولى على المستوى الدولي، كان من نصيب من واكب سهرة أشبه بالحلم، طِيف به بين ثنايا الجغرافيا وصفحات التاريخ.

إذ يعتبر «سيرة سامفونيك بروجاكت» لقاء بين الموسيقى العربية في كامل ثرائها والجاز والموسيقى الكلاسيكيّة وموسيقى العالم على غرار الموسيقى الإيرانية والبرازيليّة والهندية، التقت كلها على ركح المسرح الأثري في قرطاج.
كان الأمر ممتعاً إلى أقصى حد. بلغت الموسيقى والنشوة مداهما، فلا تجد مهرباً ولا فكاكاً ممّا أنت فيه. معزوفات على غرار «دولاب» أو «ريفاريا II» وغيرهما، تجعلك أسيراً لنوتة موسيقية فريدة، تطوّقك أوتار آلة «لا فيولا دي لاموري» التي أعاد جاسر اكتشافها، تلك الآلة التي كان يستعملها كل من باخ وفيفالدي، فتترك نفسك حبيسة هواها الجامح نحو اللاحدود الموسيقي.
يسير جاسر حاج يوسف على خطى أنور براهم وظافر يوسف اللذين أصبحا من أعلام الموسيقى. ويُعدّ حاج يوسف أحد أبرز موسيقيي جيله وممثلاً لهم ولتطلعاتهم التي تبحث عن التجديد والتفرّد. تمكن بإحساسه العميق في العزف والتلحين وبثقافته الموسيقية الواسعة من التحول إلى قيمة ثابتة في الساحة الموسيقية العالمية وتعامل مع الكبار من تونس والخارج من بينهم صالح المهدي، وباربارا هندريكس ويوسو اندور وغيرهم. وهو باحث متمرس، تدرّس موسيقاه ضمن البرامج المدرسية في فرنسا مثلاً.
رافقت جاسر كل من السوبرانو الألمانية الأكثر طلباً سيمون كرماس والمطرب الإيراني محمد معتمدي الذي زار قرطاج سنة 2013 ونغايان لي من الفيتنام على آلة القيثارة، مقدمين في آخر العرض لوحة موسيقية ثلاثية الأبعاد تتكون أضلعها الثلاثة من جاسر ومعتمدي وكرماس، ليحظوا بتصفيق حار من الجمهور الحاضر في تلك السهرة القريبة من الحلم. لوحة أعيد تقديمها مرة أخرى نزولاً عند رغبة الجمهور الذي وإن كان حضوره ضعيفاً، إلا أنّه كان محظوظاً بالتقاط ألحان ستبقى حتماً راسخة لديه.