لا يزال التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي لمدّة عام، خلافاً لرغبة رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون، يلقي بظلاله على المشهد السياسي العام في البلاد، في انتظار ما سيقوم به عون من خطوات ردّاً على «قرار التحدي».
وإذا كان وزير الدفاع سمير مقبل قد اتخذ قرار التمديد بناءً على رغبة تيار المستقبل ومعه رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، تنفيذاً لقرار سعودي و«قبة باط» أميركية، فإن عقدة الوصول إلى التفاهمات وإمكانية حصول تسوية على تعديل «قانون الدفاع الوطني» ورفع سن التقاعد للضباط بما يحفظ فرصة العميد شامل روكز بالوصول إلى قيادة الجيش، تقف عند العلاقة «المستعصية» بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
يوم أول من أمس، أعلن عون صراحةً نيته النزول بتياره إلى الشارع، وخوض ما يسميها العونيون ومستشارو الجنرال «معركة المسيحيين الأخيرة». ودعا عون في كلمة له، بعد اجتماع استثنائي لـ«تكتل التغيير والاصلاح»، مناصريه و«كل عنصر في التيار الوطني الحر أن ينزل إلى الأرض عندما يدق النفير»، في وقت ينشط فيه منسّقو المناطق لشدّ عصب مناصريهم ودرس قدراتهم البشرية في التظاهر وتقدير المدة الزمنية التي يستطيع التيار الاستمرار بها في الشارع.

مبادرة إبراهيم
محصورة في بند «تشريع
الضرورة»

رَدُّ بري على التأكيدات التي وصلت إليه عن نية عون النزول إلى الشارع، عبّر عنه في حديث إلى صحيفة «الأهرام» المصرية ينشر اليوم، معتبراً أن «من حق العماد ميشال عون التظاهر شرط عدم تعطيل المؤسسات». لكن «تعطيل المؤسسات» هو بالتحديد ما يؤكد العونيون نيّتهم القيام به.
والتعيينات الأمنية ليست إلّا جزءاً من كلّ في التباين المستعر بين الرابية وعين التينة، على الأقل منذ ما بعد أزمة المياومين في وزارة الكهرباء، يوم كان وزير الخارجية جبران باسيل يشغل وزارة الطاقة في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
لا يوفّر العونيون الانتقادات الكثيرة لبري ووزرائه، متهمين رئيس المجلس بعرقلة محاولات التيار التسريع في ملفّ النفط والبدء باستثماره، وعرقلة تطوير قطاع الكهرباء وتأخير الوزير علي حسن خليل دفع الأموال اللازمة للبدء ببناء معمل توليد الكهرباء في دير عمار، فضلاً عن عرقلة التعيينات الأمنية وغيرها بما يعارض «حقوق المسيحيين» التي يرفعها التيار شعاراً، وغيرها من التعيينات الأخرى كمجلس القضاء الأعلى. ولا ينسى العونيون توجيه الأصابع نحو وزير الأشغال غازي زعيتر، متهمين إياه بـ«الكيدية الإنمائية»، وأنه يمنع عنهم مشاريع وزارته «أكثر مما فعل أي وزير أشغال سابق».
على مقلب رئيس المجلس، لا يخفي معاونو برّي انزعاج عين التينة من تصرفات باسيل، إلى حدّ الإيحاء بأن العلاقة المأزومة بين عون بري ربّما يقف خلفها باسيل وحده. ويردّد هؤلاء أن باسيل يمارس كيدية «فئوية» عبر «تصفية» مناصري أمل في وزارة الخارجية والسفارات اللبنانية، فضلاً عن الانتقادات اللاذعة لتعامل وزير الخارجية مع المغتربين اللبنانيين وتصنيفهم وإقصاء بعضهم من المقرّبين لرئيس المجلس، متهمين إياه بـ«الطائفية». كذلك ينتقد المقرّبون من برّي باسيل دائماً تحت عنوان «سوء التنسيق»، الذي ينعكس بدوره «بين الرئيس والجنرال». ويقول هؤلاء إن باسيل «لا يشاور حلفاءه، ثم يريدنا أن نلحق به ونقف إلى جانبه وندافع عنه ونخوض معاركه في أي خطوة يخطوها»، وهو بالمناسبة الانتقاد نفسه الذي يكرّره النائب سليمان فرنجية وأكثر من طرف في قوى 8 آذار.
الخلافات بين الجنرال والاستاذ تبدو أكثر تعقيداً من تباينات على ملفات محددة. المطلعون على العلاقة بينهما يرون أن أياً منهما لم «يبلع» الآخر. العونيون يتهمون بري بأنه «شريك دائم لجنبلاط وتيار المستقبل في سوء إدارة الدولة»، فيما يرى أنصار رئيس المجلس أن عون «انقلابيّ لم يهضم بعد التعديلات التي أدخلها اتفاق الطائف على النظام».

جرى التداول بصور
لقهوجي يفتح زجاجة شامبانيا «محتفلا بالتمديد»

اليوم، يتولى المدير العام للامن العام اللواء عباس إبراهيم وساطة بين الرجلين. وهذه المحاولة لخفض حدّة الاحتقان بينهما لا تتناول كل الملفات الخلافية التي يدرك إبراهيم صعوبة حلها في الوقت الراهن. الأمر محصور ببند «تشريع الضرورة». وفي حال التوصل إلى حل هذه المعضلة، واقتناع عون بإعادة تفعيل دور مجلس النواب التشريعي، يكون بري قد تخطى عملياً عقدة كلام رئيس تكتل التغيير والإصلاح عن عدم شرعية مجلس النواب الممددة ولايته. كذلك سيؤدي نجاح الوساطة الى منح دفع إضافي لمبادرة إبراهيم الرامية إلى رفع سن تقاعد ضباط الجيش والاجهزة الأمنية ثلاث سنوات، بما يتيح حل الازمة الناجمة عن التمديد لقائد الجيش ورئيس الأركان والامين العام للمجلس الأعلى للدفاع. ورغم تأكيد أكثر من جهة سياسية في قوى 8 و14 آذار أن المبادرة ماتت بفعل صدور قرار التمديد وبسبب رفضها من قبل بري والرئيس سعد الحريري، فإن مصادر العونيين لا تزال ترى أفقاً لها. كذلك فإن إبراهيم لم ييأس بعد من إمكان تحقيق اختراق جدي. وفيما كان منتظراً أن يزور إبراهيم ووزير الداخلية نهاد المشنوق الرئيس الحريري، كانت الزيارة من نصيب المشنوق وحده. إلا ان هذا الأمر لم يحبط ابراهيم، الذي يؤكد لسائليه أنه سيستمر في مسعاه.
وفيما تؤكد مصادر الرئيس بري أن المبادرة لم تحقق شيئاً، وان تيار المستقبل لن يقبل بها، تقول مصادر التيار الوطني الحر إن المهم أن يقبل بها بري وجنبلاط، وأن «بري يحتاجها أيضاً وليس نحن، لأنه يريد فتح المجلس النيابي».
على صعيد آخر، جرى التداول خلال اليومين الماضيين بصور لقائد الجيش العماد جان قهوجي وهو بلباسه المدني. المجموعة الاولى من الصور تُظهر قهوجي مع الرئيس السابق ميشال سليمان والسفير السعودي علي عواض العسيري والوزراء نهاد المشنوق وأشرف ريفي وعبدالمطلب حناوي وأليس شبطيني والنائب هادي حبيش وشربل ميشال سليمان. ورغم أن مستشار سليمان أكّد أن الصور قديمة، إلا ان التداول بها على وسائل التواصل الإجتماعي جرى على قاعدة ان «الجَمعة» كانت في إطار الاحتفال بالتمديد لقهوجي. اما المجموعة الثانية من الصور، فتُظهر قهوجي في ثيابه المدنية، حاملاً سيغاراً، ويفتح زجاجة شامبانيا، وامامه قالب حلوى كتب عليه بالانكليزية: «مبروك، إلى الرئاسة غداً». ولقيت صور قهوجي استهجان عدد كبير من الناشطين واستنكارهم. وأرفق بعضهم هذه الصور، بصور لشهداء الجيش. ولم يصدر عن قيادة المؤسسة العسكرية أي تعليق.