قصور الدولة اللبنانية وعجزها حتى اليوم، بعد مرور أكثر من عام على اختطاف العسكريين من عرسال، عن استعادتهم من تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة"، سواء بالمفاوضات أو بالقوة، دفع أهالي العسكريين المخطوفين لدى "داعش" إلى اتخاذ القرار بزيارة عرسال وجرودها بهدف الاطمئنان على مصير أبنائهم، ولقائهم إن أمكن. يدرك الأهالي جيداً أن في الأمر "مجازفة ومخاطرة"، وحتى "محاولة انتحارية" كما يصفها حسين يوسف والد العسكري المخطوف محمد يوسف.
لكن حالة اليأس والإحباط لدى عائلات العسكريين المخطوفين ومخاطرتهم لم تأت من العبث، بحسب ما يؤكد يوسف في اتصال مع "الأخبار"، بل جاءت نتيجة تراكمات فقدت على إثرها العائلات "الأمل من دولتنا ومسؤوليها بمتابعة ملف تحرير أبنائنا أو حتى كشف مصيرهم، بعدما انقطعت المعلومات عنهم منذ أشهر، ولا نعلم ما إذا كانوا أحياءً أو أمواتاً، وما إذا كانوا لا يزالون في أماكن وجود المسلحين في جرود عرسال ورأس بعلبك وغيرها أو نقلوا إلى مكان آخر".
عائلات العسكريين المخطوفين محمد يوسف ونظام مغيط وخالد مقبل وحسين عمار توجهت يوم السبت الفائت إلى بلدة عرسال بثلاث سيارات. لكن جهودهم لم تفلح طيلة يومهم الطويل في التوجه إلى جرود البلدة. زيارة العائلات الأربع لبلدة عرسال لم تكن موفقة على غرار زيارة أهالي العسكريين المخطوفين مع "جبهة النصرة"، الذين تمكنوا من لقاء أبنائهم منذ أقل من شهر تقريباً (عطلة عيد الفطر)، والاطمئنان إلى صحتهم والجلوس معهم ما يقارب ساعتين. أما أهالي المخطوفين لدى "داعش" فقد وصلوا إلى منزل رئيس بلدية عرسال علي الحجيري "أبو عجينة"، لكونه "رئيس السلطة المحلية التابعة للدولة اللبنانية، ولأننا لبنانيون قصدنا الحجيري"، كما يقول حسين يوسف. الوسيط الذي لم يُكشف عن اسمه، تولى الصعود إلى الجرد، "بعدما دق على صدره، وبمبادرة فردية إنسانية منه، ولإعلانه عن قدرته على التواصل مع بعض الناس فوق"، طال انتظاره طيلة يوم السبت ليعود ويكتفي بالإشارة إلى أن "أبناءكم عايشين وبخير"، وإلى أن من تواصل معهم "مش قادرين يحكوا أكثر من هيك".
عائلة العسكري المخطوف نظام مغيط غادرت عرسال بعد وعكة صحية ألمّت بالفتاة ماريا مغيط، لتبقى في بلدة عرسال عائلات يوسف ومقبل وعمار. لا يخفي أهالي العسكريين أن الرسالة التي وصلتهم من أن أبنائهم عايشين وبخير "لا تكفي ولا تدخل الطمأنينة والراحة إلى قلوبهم"، هم بحاجة إلى أكثر من ذلك، إلى تسجيل صوتي أو فيديو أو حتى السماح لهم بزيارة الجرود ولقاء أبنائهم. وعلمت "الأخبار" أن الوسيط لم يصعد يوم أمس إلى جرود عرسال، فيما آثرت عائلات المخطوفين البقاء في عرسال على أمل أن تصلهم أي معلومات أكثر وضوحاً عن مصير أبنائهم".
من جهة ثانية، وفي السياق نفسه، نفى يوسف لـ"الأخبار" ما تناقلته بعض وسائل الإعلام "المغرضة والمتاجرة"، عن تلقيهم رسائل تهديد بقتل أبنائهم من قبل تنظيم "داعش"، كردّ على توقيف أحمد الأسير، طالباً "القليل من الوعي والشعور بالمسؤولية تجاه قضية أبنائنا الإنسانية. ألا يكفينا تقاعس دولتنا، حتى بات ملف أبنائنا إقليمياً، والجميع يتاجر فيه منذ أكثر من سنة، ونحنا تشحّرنا مع أولادنا وعم ندوق الموت ألف مرة باليوم؟".