باستياء عارم يحاول محمد حمية التعبير عن سخطه من انقطاع مياه اليمونة منذ أكثر من شهر. يشكو حمية المعاناة اليومية من "القطع القسري" لمياه اليمونة في بلدة طاريا، والفاتورة الإضافية التي تفرض على كل عائلة، "كل ثلاثة أيام لازم يدفع كل بيت 25 ألف ليرة بدل صهريج مياه (250 ألف ليرة شهرياً)، وآخر السنة بتتشاطر مؤسسة مياه البقاع بدها الاشتراك السنوي اللي قيمته أقل من فاتورة الصهاريج الشهرية" كما يقول حمية وهو يدفع لصاحب صهريج المياه.
في بلدة شمسطار المعاناة نفسها. عبدالله الزين ابن البلدة يؤكد أن "الوضع لم يعد يطاق"، بعد انقطاع مياه اليمونة منذ أكثر من شهر، "الناس ما عادت قادرة على دفع الفواتير مضاعفة، من المياه إلى الكهرباء، إلى المازوت واحتكاره شتاءً"، متسائلاً: "هل عجزت الدولة بأجهزتها عن توقيف بعض الأشخاص، وردعهم عن قطع المياه عن منطقة بكاملها؟!".
هي الحكاية نفسها، مياه اليمونة وقطعها عن قرى في غرب بعلبك. مشهد المعاناة يتكرر منذ سنوات مع كل صيف. لم تُجدِ الاجتماعات التي خُصّصت لمواجهة ومعالجة مشكلة التعديات على خط جر مياه اليمونة، والصخب الذي رافقها، لتوفير مياه اليمونة لأهالي قرى غرب بعلبك. فعلى الرغم من الاجتماعات التي عُقدت منذ شهرين بين مديرية المخابرات في البقاع ومؤسسة مياه البقاع ومديرية العمل البلدي والبلديات واتحادي بلديات الشلال وغرب بعلبك، والتي أعلن بعدها "الإنجاز الكامل" والتصدي لمنع وإزالة الاعتداءات على خط جر مياه اليمونة، إلا أن "عصابة لا يتعدى عددها العشرة اشخاص، تتحكم بشبكة توزيع مياه اليمونة، فتعمد إلى تأجيرها وبيعها لمزارعي الحشيشة في كل من دير الأحمر وبتدعي وبوداي والسعيدة والعلاق"، بحسب ما يؤكد سهيل الحاج حسن رئيس بلدية شمسطار ـ غرب بعلبك لـ"الأخبار".
لا يغفل الرجل عن زيارة قائد الجيش العماد جان قهوجي مع النائب علي المقداد منذ شهرين في محاولة استباقية للحؤول دون أزمة قطع مياه اليمونة، والتي أكد فيها قهوجي: "أن المسّ بالمياه، كالمسّ بالأمن"، موعزاً لمديرية المخابرات في البقاع "التعاطي بجدية مع موضوع مياه اليمونة". إلا أن أكثر من 50 ألف نسمة يعانون منذ شهر قطع مياه اليمونة، في وقت تتقاذف مؤسسة مياه البقاع والقوى الأمنية المسؤولية، فمن جهة يتذرع موظفو المياه بأن القوى الأمنية "ماعم تساعدهم لقمع المخالفين"، في حين أن القوى الأمنية تشدّد على تسييرها الدوريات، وأن موظفي مكاتب المياه "لا يتعاونون"، ويتساءل الحاج حسن إزاء ذلك: "إذا كانت هناك دوريات والمياه مقطوعة شو استفدنا؟ ولماذا لم يتم توقيف أحد حتى اليوم؟!"، مشدداً على أن هناك "خللاً ما وقطبة مخفية، ولا بدّ للجيش من التعاطي بجدية مع عصابات المياه، فالحل أمني وليس سياسياً وينبغي تركيز نقطتين للجيش عند شلال دار الواسعة وعند مقسم التوزيع، وتوقيف شخص واحد من العصابة يكفي للجم الباقين" كما يقول.
لكن أين تذهب مياه اليمونة؟ لا يتردد الحاج حسن عن الإجابة، فيؤكد أن عشرة اشخاص يشكلون عصابة مياه اليمونة، وهم معروفون بالأسماء من الأجهزة الأمنية ومؤسسة المياه، ويعملون على "تضمين (تأجير) ليلة المياه الواحدة من مياه اليمونة، بمبلغ ألف إلى 1500 دولار لري حقول الحشيشة والبطاطا في دير الأحمر وبتدعي وشليفا وبوداي والحفير والعلاق والسعيدة، ليرزح أكثر من 50 ألف نسمة تحت نير العطش وفواتير صهاريج المياه القاسية".
مصادر في مؤسسة مياه البقاع أكدت لـ"الأخبار" أن عصابة المياه "تعتدي على مقاسم التوزيع بدءاً من اليمونة وصولاً حتى بوداي، مروراً بدار الواسعة وفلاوى"، وإحدى تلك العصابات تعرف باسم "البشمركة" وأفرادها "مطلوبون للقضاء ومعروفون من الأجهزة الأمنية". تقارير بالجملة، خطية وأخرى شفهية، ترفع للمؤسسة، في الوقت الذي تنعدم فيه الحلول وسبل المعالجة.
النائب علي المقداد المفوض من قيادة حزب الله بمتابعة موضوع مياه اليمونة، أكد في اتصال مع "الأخبار" حصول عمليات "سطو" على مياه الشفة من اليمونة والتي لا علاقة لها بري المزروعات، وأن ثمة "تقصيراً" واضحاً حصل في الفترة الأخيرة، ولا بد من معرفة الجهة المتقاعسة عن القيام بدورها، خصوصاً أن الأمور سارت بإيجابية على مدى أكثر من شهر بعد عشرة اجتماعات، "فما الذي تغيّر منذ اسابيع قليلة حتى عادت الأمور للسطو على المياه من أشخاص لا يتعدى عددهم أصابع اليد الواحدة". وأكد المقداد: "عدم وجود تعاون بين مؤسسة مياه البقاع والجيش"، كاشفاً عن اتصال حصل يوم أمس بينه وبين قائد الجيش طالب فيه الإيعاز مجدداً لمديرية المخابرات في البقاع "التعاطي بفعالية وملاحقة وتوقيف عصابات السطو على مياه اليمونة"، موضحاً أن "قهوجي أبدى كل إيجابية وينتظر التطبيق".
وعلى أمل الإسراع في معالجة مشكلة مياه اليمونة، ستبقى قرى شمسطار وطاريا وحدث بعلبك والنبي رشاده وقرى بيت مشيك وكفردان والسعيدة وبوداي، ظمأى إلى حين معالجة المشكلة.
ويعوّل البعض في قرى غرب بعلبك على أن موسم قطاف الحشيشة بات قريباً منتصف شهر أيلول المقبل، إلا أن الجدير ذكره أن "السطو على مياه اليمونة لا يستعمل لري الحشيشة فقط، وإنما لحقول البطاطا اللقيسة الشاسعة. فقد أكد أحد أبناء بلدة بوداي لـ"الأخبار" أن "كبار مزارعي البطاطا في البقاع باتوا يفضلون ضمان الأراضي في سهول بلدات بوداي وشليفا وبتدعي والحفير والعلاق وزراعتها بالبطاطا، لتوفر مياه جرّ، لري مئات الدونمات من حقول البطاطا، بدلاً من حقول في قرى تعاني شح المياه وتفرض عليها أكلاف مازوت المولدات والمضخات لسحب المياه وضخها، وحتى التخلص من الري بمياه الصرف الصحي من مجرى نهر الليطاني"، موضحاً أن "أزمة مياه اليمونة قد تمتد حتى نهاية تشرين الأول المقبل للاعتماد عليها في ري البطاطا اللقيسة".