لن يأتي الشهيد سامي حوحو ليشاركنا جلستنا، على «رأس الحي» بالقرب من مخيم برج البراجنة الليلة، ولن يعرض عليّ بعد اليوم، خدماته لتصليح دراجتي النارية.
ارتقى «حوحو» شهيداً في تفجير عين السكة ليلة أمس، استشهد أهدأنا وأقلّنا جنوناً.

لا أكتب ذلك لأنني في حضرة شهيد، ولكن حقاً كان «حوحو» أهدأنا، وأقلنا شتماً، وأكثرنا تبسّماً.
إبن بلدة برجا من سكان برج البراجنة، والدته من آل رحال، وأقاربه يتوزعون بين التحويطة وكرم رحال. شباب البرج يعرفونه جيداً، ويعرفون ولعه بالدراجات النارية، لدرجة أنه لا يفارق دراجته ويفضل البقاء عليها عوضاً عن الجلوس على كرسي. رحل «حوحو»، الذي كان بيننا منذ أيام لتوديع إبن خالي المهاجر. إنتقدنا النفايات، والحكومة، وإنقطاع التيار الكهربائي. في ختام حديثه أخبرنا عن حبه للوطن، وأنه مهما «رحت وجيت آخرتك هون ع راس الزاروب». رحل «حوحو» أمس وبقيت دراجاته مكان التفجير.

***

رحل الشهيد محمد علي هاشمية، شريكي في قهوة الصباح قبل توجهي الى عملي.

لن نختلف بعد اليوم على دفع الحساب عند أبو سلام، البيروتي الأصيل، والعامل في مجال بيع الألبسة في البرج. رحل بصمت. هاشمية، كان قليل الكلام، مستمعا أكثر من كونه متحدثاً. أما الصفة التي لطالما استفزتني فهي إبتسامته الدائمة، التي نادراً ما تغيب عن وجهه.
ابتسامة قد تستفز «النكديين» أمثالي، الى درجة سؤاله «ما بتعصب إنتي يا زلمة». ينظر اليك ويكتفي بالإبتسام في وجهك فترد بإبتسامة مماثلة، معترفاً بهزيمتك أمام برودة أعصابه. هاشمية نقل عمله من مفرق زين الدين، إلى عين السكة حيث فجر إنتحاريان نفسيهما أمس، مسافة لا تتجاوز مئات الأمتار كانت كافية لجعله شهيداً. اليوم لم أر هاشمية، الذي إعتاد التردد علينا. شربت القهوة وحدي، رحل الشاب الثلاثيني ولم تبق في رأسي سوى إبتسامته المستفزة.

***

استشهد نبيل جمال الدين. مات أستاذي في لعبة «الليخة اليهودية». ستفتقد ليالي الشتاء «جمعتنا» في منزل حسين، أو محمد علي. شادي شريك نبيل الأبدي في «الليخة» سيفتقد هدوء صديقه وإبتسامته.

الشابان شريكان منذ القدم ويفهمان بعضهما بعضا جيداً. كنت أنا أصغر الحاضرين، نويت تعلم لعبة «الليخة» على يد سيدها... نبيل. كان يهمس في أذني، «بعد باقي 3 ورقات برا»، وهو يثني ورقة «الكبّة». لم أعرف كيف يمكنه احتساب ذلك. كنت أعيد سر ذكائه لكونه يعمل محاسباً، مخه إذن معتاد على الأرقام والحسابات.
لا أذكر أنني رأيت نبيل غاضباً بسبب خطأ إرتكبته خلال اللعب. كان يفضل أن أكون شريكه لكي لا تنهال عليّ الشتائم. كبرت وإكتشفت أنني فاشل في عدة أمور أهمها «الليخة». كبر نبيل ولم نعد نجتمع، كنا نطمئن على بعض عبر أصدقاء مشتركين. الحياة وهمومها قد تفرقك عن شريكك. بالأمس رأيت نبيل شهيداً، مات شريكي بسبب مؤامرة «يهودية».