تتصل بلدتا مركبا وطلوسة الحدوديتيان بعضهما ببعض. تجمعهما الصور المعلّقة للعديد من الشهداء الذين سقطوا أثناء الاحتلال الإسرائيلي وبعده. لم تمرّ ساعات على تفجيري برج البراجنة، حتى بدأت صور جديدة للشهداء ترتفع داخل البلدتين مقابل الحدود مع فلسطين المحتلة.
أربعة شهداء دفعة واحدة فقدتهم بلدة مركبا، في مجزرة برج البراجنة الأخيرة. «فاجعة بكل ما للكلمة من معنى، وحدث مأسوي كبير، رغم أن البلدة اعتادت بين فترة وأخرى فقدان الشهداء، لكن الحصة هذه المرة كانت كبيرة جداً»، يقول أحد أبناء البلدة، موضحاً أن «مكان حصول الانفجارين هو في المنطقة التي يسكن فيها معظم أبناء مركبا (حوالى 5000 نسمة)، النازحين منذ أيام الاحتلال».

يتحدث أبو حسن عن ابن عمه عبدالله عطوي (46 سنة) الذي سقط شهيداً وهو يبحث عن قوت أولاده الخمسة. يقول باكياً: «كان يحب دائماً أن يستغل كل وقته في العمل، ويحلم بأن يعود بشكل دائم الى مركبا التي غادرها بسبب الاحتلال، لذلك يستغل كل المناسبات لزيارة البلدة. كانت آخرها مشاركته الأسبوع الماضي في قطاف الزيتون». نارمين (5 سنوات)، الابنة الصغرى للشهيد عطوي، لا تزال تبكي منذ ليل الخميس، «هي اعتادت أن يصل والدها لتنام بقربه، ولا تدرك، حتى الآن، أنه لن يعود ثانية».
يتحدّث أبناء مركبا عن الشهيد محمد سويد (40 سنة)، الابن الوحيد لأمه، الذي كان يعمل منذ صغره لإعالتها، قبل أن يتزوج ويصبح أباً لأربعة أولاد، أكبرهم في سن الـ16 سنة. «كان من خيرة الرجال الحريصين على مناصرة الحق ولو على حساب مصالحه الخاصة». أما الشهيد الشاب حسن حمود (22 سنة) فقد «عاش أيضاً في ظروف صعبة، لأنه يعيش في البلدة مع والدته المطلّقة وعمل باكراً في أعمال شاقة، ولم يترك واجبه الجهادي، بل حرص على أن يكون واحداً من الذين قرروا الدفاع عن أبناء المنطقة في مواجهة الاحتلال وخطر التكفيريين».
اضطرّ الشهيد محمود شحيمي (50 سنة) منذ صغره إلى ترك البلدة بسبب الاحتلال، وبدأ عمله في محل للخياطة ثم موظفاً في معمل، لكنه «كان فقيراً وكادحاً، تزوّج متأخراً بسبب أوضاعه السيئة، وله ولدان: أحمد (9 سنوات) وزهراء (3 سنوات). كان كلّ طموحه بناء منزل له في البلدة، لكن قدراته لم تسعفه لتحقيق حلمه».

في طلوسة، الوضع مماثل، رغم أن البلدة لم تفك حدادها بعد على شهيديها الشابين: عماد وهيب ترمس، الذي سقط شهيداً أثناء «قيامه بواجبه الجهادي في حماية أبناء المنطقة من خطر التكفيريين»، ومحمد ترمس الذي سقط شهيداً أيضاً أثناء محاولته التصدّي لهجوم بعض اللصوص الذين تعرّضوا له ولوالده في سان باولو في البرازيل، فإن بطلاً جديداً شيّعه أبناء البلدة يوم أمس، هو الشهيد عادل ترمس (32 سنة)، الذي شاهد أحد الانتحاريين يحاول الاقتراب من مسجد برج البراجنة، فهجم عليه وحاول إبعاده قبل أن يفجّر الأخير نفسه وهو في قبضة ترمس الذي ارتفع شهيداً على الفور.
لا ينسى أقرباء ترمس دور شهيدهم البطل في لمّ شمل العائلة الكبيرة، وهو الابن البكر لعائلة من 7 أفراد، ويعمل منذ صغره في محل لصيانة السيارات، متزوّج بباسمة الأتات من مدينة بعلبك، وله منها طفلان، ملك (ست سنوات)، وأكرم ( ثلاث سنوات). يعرف ترمس بحبّه الكبير لزوجته، فهما احتفلا أخيراً بعيد زواجهما. «كان يصلي في المسجد عند حصول التفجير الأول»، تقول ابنة عمته زينب. «وقتها خرج فوراً، وتلقى اتصالاً من زوجته باسمة، فقال لها أنا بخير وعائد الى المنزل، لكنه شاهد الانتحاري الثاني وهو يحاول الدخول إلى المسجد، فرمى بنفسه عليه، محاولاً منعه من تنفيذ جريمته». يروي أقرباء الشهيد كيف «كان يحضر هو وعائلته مع والديه في عطلة كل أسبوع الى البلدة، فيجتمع كل الأقارب في المنزل ليستمعوا إلى أحاديثه المضحكة، رغم أنه كان يردد دائماً أن على الجميع المشاركة في قتال التكفيريين، ويرغب في أن يموت شهيداً». منذ ثلاثة أيام، تقول عمته، «اتصل بي ووعدني بأنه سيأتي يوم السبت الى البلدة ليجتمع مع أقربائه من جديد»، وها هو اليوم يفي بوعده «لقد جمع كل أبناء البلدة حول نعشه، وبدأوا يتحدثون عن قصة عمله البطولي الذي أنقذ العشرات من الموت فيما لو استطاع الانتحاري الدخول الى المسجد، الذي كان مكتظاً بالمصلين».
مئات المواطنين من أبناء المنطقة استقبلوا الشهيد على مدخل البلدة وساروا بنعشه الى المنزل، ثم الى الجبانة، حيث ووري في الثرى، في الوقت الذي تنتظر فيه اليوم (السبت) بلدة مركبا المجاورة جثامين شهدائها الأربعة. كما تنتظر بلدة مجدل سلم المجاورة جثمان شهيدها خضر محمود علاء الدين (30 سنة)، وهو مسؤول أحد أقسام التمريض في مستشفى الجامعة الأميركية ومتزوج وله طفلة عمرها ثلاث سنوات. كما يذكر أن بلدة الطيبة، في القضاء نفسه، فقدت الشاب الشهيد محمود عبد النبي جواد، الذي صودف مروره في مكان الانفجار، والذي سيوارى في الثرى، اليوم، في جبانة «روضة الشهيدين» في الضاحية الجنوبية.


مجدل سلم


كذلك تنتظر بلدة مجدل سلم المجاورة جثمان شهيدها خضر محمود علاء الدين ( 30 سنة)، وهو مسؤول أحد أقسام التمريض في مستشفى الجامعة الأميركية ومتزوج وله طفلة عمرها ثلاث سنوات. ويذكر أن بلدة الطيبة، في القضاء نفسه، فقدت الشاب الشهيد محمود عبد النبي جواد، الذي صودف مروره في مكان الانفجار، والذي ووري الثرى، اليوم، في «روضة الشهيدين» في الضاحية الجنوبية.


كفرا وبنت جبيل


من النروج، بلد المهجر القسري، عاد الشاب الثلاثيني، ابن بلدة كفرا الحدودية (بنت جبيل)، لقضاء إجازته مع زوجته حنان وطفله محمد. أمضى أيام إجازته القصيرة، وحجز موعداً لسفره يوم الأربعاء، الماضي، لكنه بعد الحاح من أقربائه، مدّد إجازته إلى يوم الجمعة.
يوم الخميس الفائت، قرّر الذهاب مع زوجته على دراجته النارية الجديدة إلى سوق برج البراجنة، القريب من منزله في الضاحية الجنوبية، وقبل لحظات من التفجير، دخلت زوجته إلى أحد المحال التجارية للتسوق، ولحق بها طفلها، فيما انتظرها بلال خارجاً. وقع الانفجار الأول، ورحل بلال، ولا تزال الأم وطفلهما ينتظرانه. ستشيع بلدة كفرا شهيدها المغترب إلى مثواه الأخير يوم الأحد، كذلك ستشيع عاصمة التحرير بنت جبيل، شهيدها غازي حسن بيضون، الذي صودف أيضاً وجوده في مكان الانفجارين، عصر غد.
وفي بلدة بافليه، شُيّع الشهيد علي رضا، وهو وحيد أهله، كما شيّعت بلدة شحور الشهيدة حسناء شرف الدين.