لا تزال ملابس الانتحاريَّين معلقة على شرفة الشقة التي استأجراها في «حي البعلبكية». الشارع الملاصق للطرف الجنوبي لمخيم برج البراجنة، نال اسمه بعد مجيء مواطنين من بعلبك للعيش فيه إبان الحرب الأهلية. تمر الطريق إلى الشقة التي دهمتها القوى الأمنية قبل يومين، عبر أحياء لبنانية وفلسطينية متداخلة في ما بينها، أبرزها «حي السيمو»، الفاصل بين المخيم وحيّ الأكراد، والذي نال اسمه بسبب رواج تجارة مخدر «السيمو» فيه.
صور الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات على يمين الطريق تشير إلى «حدود» المخيم، وعلى يساره ترتفع الأعلام العاشورائية فترسم حدود «الزقاق» اللبناني، وتحديداً زقاق آل ملاح. في آخر الزقاق، نار صغيرة أشعلها بائع خرضوات، للفصل بين «الكاوتشوك» و«النحاس»، يرقب الرجل تحركات الغرباء بصمت، وحين يلمح الكاميرا، لا ينتظر سؤالاً ليشير بيده إلى شقة الانتحاريين: «هياها على الطابق الأول». أمّا محمود حجازي، صاحب محل الخرضوات، فيجزم بأن «المنطقة لبنانية بامتياز، والبيت المستأجر تعود ملكيته إلى لبناني».

من سطح المبنى تظهر مدارس «شاهد» ومستشفى الرسول


خلال الشهر الماضي، استطاع انتحاريا عين السكة تكوين صداقات مع بعض أبناء «حي السيمو»، الذي سكناه أول قدومهما من سوريا، ووصل الأمر بهما إلى حدّ السهر «مع عناصر حاجز الدرك الموجود هناك»! على ما يقول أحد أبناء المنطقة لـ«الأخبار»! وحين انتقل الانتحاريان للسكن في «حي البعلبكية»، قبل عشرة أيام، لم يثيرا شكوك صاحب المنزل الذي أجّرهما البيت، بعدما ادعى أحدهما أن عائلته ستلتحق للعيش معه. انتقل الإرهابيان إلى المنزل ولم يستكملا نقل الأثاث إليه، فالبراد لا يزال حتى الآن في مدخل البناية. من على سطح المبنى، تظهر سلسلة مدارس «شاهد»، ومستشفى الرسول الأعظم، وجزء من طريق المطار القديم. يقول أبو محمد صفوان، جار الانتحاريين، إن «الأزقة المتشابكة كلها توصل إلى أمام باب طوارئ المستشفى». لم يعلم الرجل الأربعيني بأن الانتحاريين انطلقا من هذه الشقة إلا عند دهم القوى الأمنية لها. ويؤكّد صفوان أنه «لم يظهر عليهما شيء، لحيتاهما خفيفتان واستأجرا البيت على أساس أنهما عائلة نازحة». يشير الرجل إلى بعض بيوت الحي التي تسكنها عائلات سورية، «إذا الواحد هو وعيلتو ما فينا نعمل شي، شو منقلهم إنتو إرهابيين؟». ينظر الرجل بأسى إلى الشقة مجدداً: «قالوا خططوا، وناموا، وطلعوا من هون، والله لو كنا منعرف فيهم كنا أكلناهم». يقاطع حجازي صديقه: «لم نكن نراهم، كانوا يذهبون إلى عملهم صباحاً، وبالتأكيد لم نكن نتوقع أن ينطلقوا من هنا لتنفيذ العمليات». يقترب «أبو علي» ليشارك في «الدردشة»، وهو فلسطيني مقيم في المنطقة منذ زمن طويل. يمازحه أحد الحاضرين «كل الحق على الفلسطينيين»، فيستشهد بكلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله للردّ عليه: «سمعت السيد شو قال؟ ما إلنا علاقة، في فلسطينيين مناح وفي فلسطينيين سيئين متل ما في لبنانيين مناح في لبنانيين سيئين». يتابع أبو علي: «لا علاقة لنا بما يجري، ولا يمكن ابن المخيم أن يؤذي أهل الضاحية، فهذه منطقتنا، ولنا فيها مثلما للبناني فيها». بالنسبة إلى الشاب الثلاثيني، وبرغم من أن الشقة خارج نفوذ اللجنة الأمنية في المخيم ولكن «لو كنا نعلم بأنهم سينفذون هذه العملية، لطردناهم».