مع انه ليس عضواً في التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» الذي تقوده الولايات المتحدة، ويضم معظم دول العالم المؤثرة والمعنية بمن فيها الدول العربية باستثناء سوريا واليمن، الا ان لبنان احدى الدول الرئيسية في الصدام المباشر مع التنظيم الارهابي عند حدوده الشرقية. وهو ما يُكسبه مبرر حضور اجتماع التحالف وهو الخامس بعد سلسلة سبقته في الولايات المتحدة والسعودية وقطر والكويت، ومشاركته في توصياته، انطلاقاً من اعتقاد واشنطن ودول التحالف ــــ يقول مرجع عسكري ـــ بحتمية تضافر الجهود لمحاربة «داعش»، سواء من خلال البلدان التي تقاتله من دون ان تكون على تماس مباشر معه كالولايات المتحدة وكندا واوروبا، او تلك التي تقاتله على اراضيها كلبنان.على ان تصاعد وتيرة الاشتباكات بين الجيش والتنظيمات المتطرفة عند الحدود الشرقية في الايام الاخيرة، بالتزامن مع عمليات امنية لمديرية المخابرات في الداخل آخرها اعتقال امير «داعش» عماد ياسين داخل مخيم عين الحلوة في 22 ايلول، تحمل مرجعاً عسكرياً على التأكيد ان المؤسسة العسكرية نجحت الى حد بعيد في الامساك بالمبادرتين العسكرية والامنية. اخراج ياسين من المخيم دونما طلقة رصاص واحدة، في مهمة نفذها عناصر المديرية بلباس مدني انتهت فور العثور عليه باطلاق قنابل دخانية جعلته خلال دقائق خارج المخيم من غير ان يعرف سكان حيّ الطوارىء ما الذي اضحى واين اختفى ياسين. بكثير من التنسيق بين غرفتي عمليات القيادة ومديرية المخابرات تتجمّع المعلومات، تمهيداً لاتخاذ القرار باستثمارها وتنفيذ خطة تحرّك سواء من خلال عناصر المديرية او في نطاق العمليات العسكرية للجيش. في اليومين المنصرمين اعتقل الجيش لبنانيين اثنين ينتميان الى «داعش» يملكان مستودع اسلحة، لم يصر بعد الى الكشف عن عملية توقيفهما في انتظار استكمال التحقيقات.
اعتقال لبنانيين في «داعش» لم يُكشف عنهما يملكان مستودع اسلحة

بيد ان ارتياح المرجع العسكري لا يقلل من مخاوف تفاقم الاعمال العسكرية في سوريا اخيراً، وان في حلب البعيدة من الحدود الشرقية والشمالية للبنان. الا ان معطيات الايام الاخيرة تحمله على مراقبة تطورات ما يجري هناك، ومحاولة فتح جبهة في حماه لتخفيف ضغوط الجيش السوري وحلفائه بعد احرازه اكثر من تقدم في حلب. ومن ثم سعي التنظيمات الارهابية الى ثغر عسكرية جديدة في حماه تعيدها مجدداً الى حمص، على بعد بضعة كيلومترات من الحدود الشمالية مع لبنان. وهو في رأيه مبعث اهتمام الجيش وقلقه في الوقت نفسه، مع ان لا احداث مستجدة على الارض في الاماكن المحتملة للثغر تلك، بعدما ارسل الجيش السوري تعزيزات الى حماه لمنع سقوطها.
ورغم ان اشتباكات الايام القليلة المنصرمة عند الحدود الشرقية دارت بين «داعش» و«جبهة النصرة» للسيطرة على مراكز، الا ان تحرشهما بالجيش انحسر الى حدّ بعيد في الآونة الاخيرة، بعدما ادى تعزيز عتاده وتسليحه بقدرات جديدة لم تكن متوافرة لديه، الى تجميد اي محاولة للاعتداء عليه، ما اتاح له تنفيذ عمليات استباقية عدة.
يضيف المرجع العسكري: «اكثر من اي وقت مضى، باتت للجيش عيون في المواجهة مع داعش بفضل دفعات المساعدات العسكرية الاخيرة، من بينها طائرات بلا طيار متطورة. صار في الامكان استكشاف الحدود الشرقية كلها بلا استثناء ليلاً ونهاراً، ما لم يكن متوفراً قبلاً، ولم يسبق ان امتلك الجيش هذا الطراز من الاسلحة. ان نعرف تماماً ماذا يجري امامنا على مسافات بعيدة وسبل الوصول الى الاهداف. تتفادى طائراتنا الوصول الى داخل الاراضي السورية، الا انها بدأت تحكم سيطرة المراقبة الكاملة والدقيقة على طول الحدود. قبل قرابة ثلاثة اشهر حصلنا على دفعة من الطائرات والاسلحة المتطورة. بعضها يمكّننا من ان نشاهد ما تصوره الطائرة في غرفة عمليات الجيش مباشرة دونما انتظار عودتها. على صعيد المدفعية اضحت تغطي كل الحدود الشرقية. اضف استمرار تنفيذ برامج تزويدنا الصواريخ والذخائر. نهاية السنة ننتظر تزويدنا ست طائرات سوبر توكانو من صنع اميركي، قاذفة الصواريخ في قتال الجبال تنضم الى طائرات سيسنا الموجودة لدينا للمهمة نفسها. مساعدات في معظمها اميركية تقدم هبات الى الجيش، ناهيك بمساعدات عسكرية بريطانية وفرنسية وايطالية قليلة، الا ان العامود الفقري للمساعدات التي نتلقاها اميركي».
يعزو المرجع العسكري مبررات المساعدات العسكرية للبنان الى التقييم الايجابي الذي يظهره الغرب حيال اداء الجيش اللبناني في المواجهة مع «داعش»، ما يعكس مفارقة مثيرة للانتباه هي ان الغرب «مقدار لامبالاته بالمشكلات السياسية التي يتخبط فيها لبنان عبر الشغور الرئاسي وازماته السياسية، لا يتردد في ابداء حرصه على الاستقرار والحؤول دون اي اضطرابات». وهو ما سمعه قائد الجيش اكثر من مرة ابان مشاركته في اجتماعات عسكرية في الولايات المتحدة، بالتركيز على اهمية ضبط الامن في لبنان.
في الاجتماعات الاخيرة له في واشنطن في شباط الفائت، لدى مقابلته مسؤولين في الكونغرس ووزارتي الدفاع والخارجية في موضوع برامج تسليح الجيش، سمع عبارات مماثلة: عندما تأكدنا من ان الجيش نجح في الصمود في مواجهة الارهاب، بات من الضروري الرهان عليه والاستثمار فيه.
قال احد المسؤولين في وزارة الخارجية لقهوجي في الزيارة تلك: سنظل نساعد الجيش اللبناني ما دام صامداً وواقفاً على قدميه في جبه الارهاب، وهو مصدر استثمارنا.
تحدّث المسؤول نفسه ايضاً عن تراجع في مساعدات عسكرية اميركية لجيوش في دول لم يسعها الدفاع عن حدودها ومواجهة الارهاب.
في السياق ذاته يشير المرجع العسكري الى مشاركة لبنان في مؤتمر التحالف الدولي ضد «داعش» والتنظيمات الارهابية ومنها «جبهة النصرة»، للاطلاع على خطط مواجهتها في المرحلة المقبلة وتقييم تطورات الاشهر المنصرمة منذ الاجتماع الاخير للتحالف «انطلاقاً من النظرة الدولية المشتركة حيال الارهاب، وهو انه يهدّد اي بقعة في العالم، ولا يقتصر على اماكن انتشاره، ما يجعل الخطر يطاول الدول جميعاً، مع الاخذ في الاعتبار ــــ خلافاً لجبهة النصرة المنتشرة في سوريا فقط ــــ ان داعش تمدّد في العراق وسوريا ووصل الى الحدود اللبنانية، وراح يدق ابواب دول الغرب والشرق على السواء».